
ليس كل من يراقب يصمت، وليس كل من يصرّح يفعل ذلك مجاملة. من قلب أمريكا اللاتينية، ومن فم رئيس سابق لأقوى دولة اقتصادية في الجنوب العالمي، جاء الإقرار: “المغرب يحتل مكانة مرموقة على الساحة الدولية، بفضل قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس”.
هكذا افتتح ميشيل تامر، الرئيس السابق للبرازيل، شهادته السياسية في حق مسار مغربي لم يعد مجرد “قصة نجاح محلية”، بل أصبح مادة استراتيجية لقراء السياسات الكبرى. في حوار خاص مع وكالة المغرب العربي للأنباء بمناسبة عيد العرش، تكلّم تامر بلغة الواثق، فرأى في المغرب دولة تجرّبت بالماضي لتبني الحاضر وتتقن صناعة المستقبل.
المعادلة المغربية، كما وصفها، ليست معقدة: تحديث للبنية التحتية على مدى أكثر من ربع قرن، استثمار جريء في الطاقات المتجددة، وعناية ملكية بقطاع ديني يعيد إنتاج الإسلام في نسخته الأكثر اعتدالاً وعمقاً. كلها خطوط اشتغال تضع المغرب في واجهة العالم الجديد، العالم الذي يُدار بالكفاءات والديناميات العابرة للقارات.
تامر، الذي خبر دهاليز السياسة والدبلوماسية، توقف عند العمق الاستراتيجي للمغرب، مشدداً على أنه ليس فقط ممرًّا جغرافياً يربط إفريقيا بأوروبا والعالم العربي، بل هو فاعل سياسي يضبط إيقاع هذا الربط، ويساهم في تيسير الحوار بين ثلاث قارات تتغير ملامحها كل يوم.
وفي منظور أمريكا اللاتينية، يضيف الرئيس البرازيلي السابق، المغرب ليس مجرد حليف بعيد، بل هو “بوابة مميزة إلى إفريقيا” بالنسبة لدول مثل البرازيل، التي تدرك أن المستقبل الاقتصادي والسياسي يمر عبر الانفتاح على الجنوب لا فقط على الشمال.
وعن العلاقات المغربية-البرازيلية، لم يخفِ تامر إعجابه بالدينامية المتنامية التي تعرفها هذه الروابط، قائلاً إن البرازيل باتت تنظر إلى الرباط باعتبارها شريكاً استراتيجياً يمكن البناء معه على أسس قوية من المصالح المتبادلة، سواء في التجارة أو الأمن الغذائي أو الطاقات النظيفة.
ولأن الزمن لم يعد زمن الشعارات، بل زمن “الدبلوماسية النشيطة والبراغماتية الذكية”، يشيد تامر بالمبادرات المغربية في التعاون جنوب–جنوب، مؤكداً أن القيادة الملكية في هذا المجال تفتح أفقاً جديداً ليس فقط لإفريقيا، بل لعلاقات القارة مع تكتلات إقليمية مثل “الميركوسور” أو الاتحاد الأوروبي، التي تبحث اليوم عن شركاء موثوقين، مستقرين، ومؤثرين.
ميشيل تامر لم يكن يتحدث عن حليف بعيد، بل عن نموذج دولي قريب من النجاح الواقعي. المغرب، كما قرأه، هو الدولة التي تعرف ماذا تريد، وأهم من ذلك: تعرف كيف تصل إليه.