الكلاب الضالة… شبح يطارد الشوارع المغربية ويُحرج الجماعات الترابية”

يتصاعد الجدل في المغرب من جديد حول إشكالية الكلاب الضالة، بعدما تحوّلت من مجرد مشهد اعتيادي في الأزقة إلى خطر حقيقي يهدد سلامة المواطنين، ويثير مخاوف الرأي العام، خصوصاً في سياق وطني يسير بثبات نحو احتضان تظاهرات رياضية وسياحية ذات طابع قاري ودولي، أبرزها كأس إفريقيا 2025 ومونديال 2030.
في المدن والقرى على حد سواء، لم تعد نباحات الكلاب الضالة مجرد ضجيج ليلي، بل أضحت ناقوس خطر ينبّه إلى واقع غير منضبط، وإخفاقات واضحة في تدبير جماعي ظل لسنوات طويلة رهين منطق الإهمال أو الحلول المؤقتة. ولعل تزايد الحوادث المسجلة، من عضّات مروعة إلى انتشار داء السعار، جعل من هذا الملف أزمةً صامتة تتحرك على أربع قوائم، وتضع الجماعات الترابية أمام مسؤوليات قانونية متزايدة.
ورغم توقيع اتفاقية وطنية سنة 2019 بين وزارتي الداخلية والصحة، والمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، إلى جانب الهيئة الوطنية للأطباء البياطرة، والتي هدفت إلى وضع خطة عقلانية ومندمجة لتدبير الظاهرة عبر التعقيم والتلقيح والتتبع البيطري، إلا أن التطبيق ظل جزئياً ومحدود الأثر على الأرض، بفعل نقص التمويل وغياب التنسيق المحلي في كثير من الحالات.
وفي تحرّك جديد، صادق مجلس الحكومة، قبل أيام، على مشروع قانون يتعلق بحماية الحيوانات الضالة والوقاية من أخطارها، في خطوة اعتُبرت بداية تأطير قانوني صارم، قد يحرّك الجمود التدبيري الحالي، ويوفر للجماعات الترابية أدوات قانونية وتنظيمية لمواجهة التحدي المتنامي.
أمام هذه التطورات، بدأت بعض المجالس الجماعية في التحرك بشكل مستقل، كما هو الحال في جماعة أكادير، التي أطلقت عبر هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع، استمارة رقمية موجّهة للسكان، تروم جمع معطيات ميدانية دقيقة حول واقع الكلاب الضالة في الأحياء، في محاولة لإشراك المواطن في رسم خارطة التدخل.
وإذا كان النقاش حول الكلاب الضالة يحمل طابعاً محلياً في الظاهر، فإنه في العمق يمس قضايا جوهرية: الحق في السلامة الجسدية، جودة الفضاء العام، مستوى حكامة التدبير المحلي، واستعداد المغرب للظهور بصورة حضارية أمام العالم.
فهل تُعيد الجماعات الترابية حساباتها، وتضع ضمن أولوياتها حماية المواطنين من تهديدات لم تعد “ثانوية”؟ أم أن المشهد سيظل حبيس الحلول الترقيعية إلى حين وقوع الفاجعة القادمة؟
الزمن، والقانون، وضغط الشارع… كلها عناصر بدأت تحاصر هذا الملف، وتدفع نحو ضرورة الحسم، بعقلانية وعدالة، لصالح الإنسان والحيوان معاً.