رياضة
71 سنة من العطاء والتألق … عيد ميلاد سعيد لـ”الرجاء” الرياضي.
على الرغم من الوضعية العصيبة التي تمر منها بلادنا حاليا بسبب جائحة ” كورونا “، إلا أنه كان لزاما علي أن أكتب هذه السطور بمناسبة عيد ميلاد رجاء الشعب والعالم، الذي يتزامن مع تاريخ يومه الجمعة 20 مارس 2020.
ففي مثل هذا اليوم تأسس فريق جعل من الأخضر لوناً لقميصه و من النسر رمزاً لشعاره، من حي الفداء بمنطقة درب السلطان، وكان الهدف من تأسيس الرجاء هو خلق فريق يقدم المتعة على النتيجة والفرجة على التتويج ومحاضنة الألقاب.
شاء القدر للرجاء أن يُؤسس بمقهى ” با صالح ” البسيطة بمنطقة درب السلطان الشعبية، وبالضبط حي الفداء تيمناً برجالاته المقاومين والوطنيين الذين وضعوا عزَّة واستقلال المغرب نصب أعينهم وهدفهم الأسمى.
وجاءت فكرة تأسيس الرجاء من طرف بعض المقاومين والزعماء النقابيين بالمغرب في اجتماع بمقهى “با صالح” على رأسهم بوجمعة الكادري، عبد القادر جلال، حميدو الوطني، كريم حجاج، والعشفوبي البوعزاوي.
أُسِّس الفريق بشكل رسمي خلال 20 من شهر مارس مستوفياً لجميع الأمور القانونية وحاصلا على ترخيص المستعمر الفرنسي، بعد الإمتناع في المرة الأولى بحجة ضرورة ترؤس فرنسي للفريق مما حدى بمؤسسي الرجاء لتقديم الجزائري حجي بن أبادجي ذو الجنسية الفرنسية، وهو الأمر الذي قبلته سلطات الإحتلال على مضض، ليخرج للوجود فريق أطلق عليه إسم الرجاء بعد عملية قرعة شهدت منافسة شديدة بين إسمي الفتح والرجاء، لكن القرعة كشفت إسم الرجاء ثلاثة مرات متتالية.
وتم اختيار اللون الأخضر للفريق لأنه يعتبر في علم النفس مصدراً للأمل فكان استخدامه الدائم من طرف الكثير من الأدباء والفلاسفة، تعبيراً عن قوى الأمل وشدته.
أما شعار النسر فاختير نظراً للفترة التي كان يعيشها المغرب تحت وطأة الإستعمار الفرنسي ومقاومة المغاربة آنذاك، فالنسر حسب بعض ممن أسسوا الفريق طائر عنيد وكاسر لا يخشى المواجهة ودائما شامخ وهذا ما كان ينطبق على المقاومين والوطنيين…العزة والشموخ والشجاعة.
وعلى المستوى الكروي، لابد لنا أن نتحدث عن شخصان كان لهما الفضل الكبير بعد المولى عز وجل في الهوية التي اشتهر بها الفريق، وهي الكرة الشاملة أو كما يصطلح عليها باللهجة العامية “دقة دقة”، ويتعلق الأمر بالمرحومان عبد القار جلال ومحمد بن الحسن التونسي العفاني الملقب بالأب جيكو، فقد استطاع هذان الرجلان أن يضما العديد من المواهب الفذة بفضل عينيهما الثاقبتين، بحكم مرورهما من نادٍ لا يقل عراقة عن الرجاء والحديث هنا عن فريق الوداد الرياضي.
حكاية الأخضر مع الألقاب لم تبدأ حتى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حينما توج بطلاً لكأس العرش سنوات 1974 و 1977 ثم 1982، أمام أندية المغرب الفاسي والدفاع الحسني الجديدي ثم النهضة القنيطرية، ليحصل بعد ذلك على أول لقب للدوري عام 1988.
لكن طموحات الرجاء لم تقتصر على المنافسة محليا، بحيث استطاع أن يرصع خزانة الكرة المغربية بثاني لقب على مستوى مسابقة كأس إفريقيا للأندية البطلة بعد الجيش الملكي الذي حققه سنة 1985 أمام الزمالك المصري، وكان ذلك أمام مولودية وهران الجزائري سنة 1989.
مر الرجاء من أزمة خانقة خلال بداية التسعينيات على المستوى المالي، غير أن سوء الطالع لازمه في الشق الرياضي على الرغم من الأداء المتميز الذي كان يقدمه، بحيث ظل صائما على حصد البطولات لفترة قصيرة، قبل أن يعود بقوة موسم 1995/1996، حينما سيعلن نادي الأولمبيك البيضاوي عن اندحاره بسبب عدم توفر السيولة المادية الكافية، وما كان على إدارة الفريق إلا أن تسرح اللاعبين للرجاء بحكم العلاقة الطيبة التي تربط بينهما، إذ أن الكاتب العام للأولمبيك آنذاك كان هو المرحوم عبد اللطيف العسكي، الرجل الذي أفنى حياته في خدمة الرجاء خلال الثمانينيات.
عاد إسم الرجاء للواجهة، إذ فرض سيطرته على المستوى المحلي، بحيث توج بطلا للمغرب ست سنوات متتالية: 1996/1997/1998/1999/2000/2001، وأضاف لقبين لدوري الأبطال سنتي 1997 و 1999، ثم كأس الأفرو آسيوية سنة 1999 والسوبر الإفريقي عام 2000، وتمكن بعد ذلك من ضمان مشاركة تاريخية في أول نسخة من كأس العالم للأندية بالبرازيل، كأول نادي إفريقي يحظى بشرف المشاركة، وقدم حينها مستويات راقية أمام أعتد الأندية العالمية، من قبيل ريال مدريد الإسباني وكورينثيانز البرازيلي.
سيطرة النسور إستمرت لغاية بداية الألفية، إذ توج بدرع الدوري والإتحاد الإفريقي وكأس العرش ثم الكأس العربية سنوات 2003/2004/2005/2006، غير أنه سيدخل بعد ذلك في مرحلة فراغ طويلة، حتى سنة 2013 والتي عرفت وصوله للتخمة الكروية، إذ توج بالإزدواجية المحلية التي خولت له الحضور للموندياليتو للمرة الثانية في تاريخه والذي نُظم بالمغرب، وتمكن من خلاله أن يصبح أول نادي عربي يصعد لنهائي المسابقة ويواجه العملاق البافاري بايرن ميونيخ الألماني، بعدما اجتاز فرقا قوية كمونتيري المكسيكي وأتليتكو مينيرو البرازيلي بقيادة الساحر رونالدينيو.
قاطع الفريق الأخضر منصات البوديوم مرة أخرى، إذ ابتعد عن ملامسة الألقاب الوطنية والقارية بسبب أزمة مالية خانقة، غير أنه سرعان ما استجمع قواه، ليتوج بثامن لقب في كأس العرش سنة 2017، وكأسٍ ثانية للإتحاد الإفريقي عام 2018 بعد غياب دام لـ 15 سنة، ثم لقب السوبر الإفريقي سنة 2019.
وبطبيعة الحال، لا يمكن أن يملك الرجاء كل هذه الإنجازات لولا وجود جماهير أوفياء، تلاحقه أينما حل وارتحل بدون قيد أو شرط، همها الوحيد أن يظل فريقها كالنسر فوق القمة الشماء، وكما يقولون في إحدى عباراتهم الشهيرة : ” الكل يرحل ونحن نبقى ثابتين “، فعيد ميلاد سعيد يا رجاء، ومزيدا من العطاء والتألق والإبداع في خدمة الكرة الوطنية.