القرار الذي اتخذته الإدارة الأمريكية، والقاضي بجعل مدينة القدس عاصمة لإسرائيل، له خلفيات متعددة منها التاريخي و منها السياسي ومنها الجغرافي أيضا، فإسرائيل مدفوعة من الولايات المتحدة الأمريكية عكس موقفها لعدة إعتبارات بضم القدس إلى الأراضي الإسرائيلية، وأهم هذه الإعتبارات مكانة القدس الدينية لدى المسلمين ولدى المسيحيين، وأهم ما في هذه السياسة، أنها عاكسة لإستراتيجية محددة أهم ما فيها إلهاء المنتظم الدولي عن القضية الأساس.
والتركيز إعلاميا وسياسيا على عزل مدينة القدس، وإعتبارها قضية منفصلة عن المشكل الأساسي، وهي القضية الفلسطينية التي تم تدويلها، وتعرضها لمخططات متعددة لإفراغها من مضمونها الحقيقي الذي يدخل في إطار حركات التحرر الوطني، ذات الطبيعة الإستقلالية، وإظهار إسرائيل دولة معتدية إستعمارية إستيطانية جاءت بمجموعة غير متجانسة من المواطنين اليهود الذين كانوا يعيشون في بلدان أروبية متعددة، وتوهيمهم بأن هذه الأرض أرض ميعادهم التي بشروا بها في كتبهم الدينية، وأن أرض فلسطين هي أرض لليهود، التى لابد و أن يؤسسوا فيها دولتهم، ولم يمر حلم تأسيس الدولة اليهودية بعد إغتصاب الأراضي الفلسطينية دون محطات كانت كل محطة تعكس مواجهة عسكرية بين الفلسطينين أصحاب الأرض الشرعيين وفلول اليهود المستوطنين.
إن تاريخ المنطقة يعكس أن المواجهات العسكرية الدامية كانت أهمها ما وقع سنة 1936، و1938 والمواجهات الحاسمة سنة 1948، التي أدت إلى تقسيم فلسطين إلى دولتين، دولة للفلسطينيين والإسرائليين.
إن هذا التقسيم الذي باركته الأمم المتحدة، ومعها مجلس الأمن، كان تقسيما هشا سرعان ما تعطيه الأحداث المتلاحقة في المنطقة تصورا أقرب إلى ما تتمناه الدول الاستعمارية الكبرى، وخصوصا أمريكا وبريطانيا صاحبة وعد بلفور الذي أطلقه هذا الرجل الاستعماري سنة 1917، والقاضي بإعطاء أرض فلسطين لليهود المشتتين في معظم بلاد الدنيا ليتم تأسيس دولة إسرائيل.
ورغم الخيانات التي كانت تجسدها الأنظمة العربية في المنطقة فقد واجه الفلسطينيون العرب هذه المؤامرات بمواجهات مسلحة لم يكن النصر حليف الفلسطينيين فيها.
ففي 6 حزيران ﴿يونيو﴾ 1967 وإبان المعارك المسلحة التي وقعت بين الأنظمة التحريرية آنذاك، كمصر بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر، وسوريا والعراق، والأردن إلى أن هذه المعارك كان النصر فيها لإسرائيل مدعومة بحلفائها الأمركيين والأوروبيين، وفي هذه المعركة، فرض على العرب وضعا جغرافيا معينا، أدى إلى بتر أجزاء من الدول العربية، كمرتفعات الجولان في سوريا، وصحراء سيناء في مصر ومساحة شاسعة من أراضي الأردن، وإذا كانت حرب أكتوبر بين إسرائيل والأنظمة العربية المجاورة قد تمكن فيها الجيش المصري من استرجاع صحراء سيناء، إلى أن الدول الأخرى كسوريا والأردن لم يفلحا في استرجاع أرضهم المغتصبة.
هذا السرد التاريخي، يوضح أن كل هذه المعارك التي كانت بين العرب وإسرائيل، عكست توجهان رئيسيان : الأول يدافع عنه العرب ومفاده أن القدس مدينة فلسطينية، لايصح فصلها عن القضية الفلسطينية، باعتبارها هي أساس القضية واتجاه ثاني، يؤكد أنه لا يجوز فصل قضية القدس عن القضية الأساسية، قضية فلسطين، محاولا إبراز خاصية المدينة الدينية عند المسلمين وكذا عند المسيحيين، ولا يمكن اعتبارها قضية منفصلة عن القضية الأساسية المحورية، ولهذه الاعتبارات لا يجوز في قضية من القضايا، واتجاه ثالث مدعوم من أمريكا يعتبر القدس مدينة إسرائيلية يجب أن تنضم إلى إسرائيل لاعتبارات تاريخية وجغرافية وسياسية.
والحقيقة أن القدس مدينة فلسطينية عربية وهي ثاني القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، والمدينة التي بها ثراث مسيحي، و ثراث إسلامي لا يمكن إلا أن يكون مدينة فلسطينية عربية.