شكلت سنة 2017 التي تشارف على الانتهاء محطة حقق خلالها المغرب على المستوى الإفريقي منجزات تاريخية على جميع الأصعدة، مكرسا بذلك النتائج الجيدة لسياسته الإفريقية، ومعززا حضوره الوازن على مستوى القارة في جميع المجالات.
فمن السياسة والاقتصاد، مرورا بالدبلوماسية والدين والرياضة، وليس انتهاء بالمبادرات التضامنية التي اتخذتها المملكة مع دول القارة، عزز المغرب موقعه على الساحة الإفريقية خلال السنة الجارية، وسجل منجزات غير مسبوقة كرست وجاهة سياسته القائمة على خدمة قضايا القارة، وإطلاق مبادرات تعود بالنفع على كلا الطرفين.
وقد شكلت هذه العودة التي تمت الموافقة عليها بأغلبية ساحقة من طرف أعضاء الاتحاد، نقطة فارقة في مسار تعزيز حضور المغرب على مستوى القارة بما يمكن من تيسير وتسريع وتيرة المنجزات والمشاريع الاقتصادية التي يقوم بها، وكذا التخلي عن سياسة الكرسي الفارغ في ما يتعلق بالدفاع عن قضية الوحدة الترابية للمملكة.
وإضافة إلى هذا المنجز التاريخي، شكلت سنة 2017 استمرارا لسابقاتها في ما يتعلق بتعزيز العلاقات المتميزة القائمة مع العديد من دول القارة، وكذا في ما يتعلق بالانفتاح والارتقاء بالعلاقات السياسية والدبلوماسية مع دول أخرى لها وزنها وحضورها القوي في إفريقيا. ويتعلق الأمر أساسا بدولة جنوب إفريقيا.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن جلالة الملك محمد السادس، ورئيس جمهورية جنوب إفريقيا، جاكوب زوما، اتفقا في لقاء بينهما على هامش مشاركة جلالة الملك في أشغال القمة الخامسة للاتحاد الإفريقي -الاتحاد الأوروبي بأبيدجان (نونبر 2017)، على “العمل سويا، يدا في يد، من أجل التوجه نحو مستقبل واعد، لاسيما وأن المغرب وجنوب إفريقيا يشكلان قطبين هامين للاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية، كل من جهته، بأقصى شمال وأقصى جنوب القارة”.
وبالحديث عن القمة الإفريقية الأوروبية بأبيدجان، فقد كانت مشاركة جلالة الملك في هذا الحدث الهام، محط تقدير وإشادة كبيرين حيث أكد رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فاكي، أنها جسدت “العودة السعيدة” للمغرب إلى الاتحاد التي “استعادت بها إفريقيا وحدتها وتوازنها”، فيما نوه رئيس جمهورية غينيا الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي السيد ألفا كوندي، بهذه المشاركة معتبرا أنها تظهر “الالتزام الإفريقي لجلالته وإيمانه بكرامة ووحدة إفريقيا”.
هذا الإيمان بكرامة القارة وبمصيرها المشترك، تجسد كذلك في استمرار الزيارات الملكية إلى مختلف دول القارة بما تعرفه من إطلاق مبادرات وتدشين مشاريع سوسيو-اقتصادية وتعليمية في مجالات متعددة تصب في صالح ساكنة القارة وشبابها على وجه الخصوص.
كما تجسد هذا الاهتمام بقرار جلالة الملك إحداث وزارة منتدبة بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي مكلفة بالشؤون الإفريقية، في تكريس لتوجه المغرب نحو عمقه الإفريقي، وسعيه المتواصل للنهوض تزايد للمغرب بالتعاون جنوب-جنوب، بما في ذلك المجال الاقتصادي الذي يعد قطب الرحى في ضمان تنمية وتطوير دول القارة.
وعلاقة بالجانب الاقتصادي، فقد تميزت سنة 2017 بحصيلة قوية ذات آثار سوسيو-اقتصادية متعددة، حيث تم في إطار الزيارات الملكية لعدد من دول القارة تعزيز الإطار القانوني للتعاون الاقتصادي بالتوقيع على العديد من اتفاقيات مع هذه الدول، ولاسيما جنوب السودان (تسع اتفاقيات)، وغانا (ما لا يقل عن 25 اتفاقية)، وزامبيا (19 اتفاقا حكوميا واتفاق شراكة اقتصادية)، وكوناكري (8 اتفاقيات)، وهي اتفاقات تكرس إرادة المغرب تقاسم خبراته مع هذه الدول في مختلف المجالات.
ولم يكن الشأن الديني في منأى عن هذه الحركية التي شهدتها العلاقات المغربية، حيث تعززت المبادرات التي أطلقتها المملكة في هذا المجال من خلال إطلاق أمير المؤمنين جلالة الملك بناء مساجد في كل من غينيا كوناكري وكوت ديفوار، إضافة إلى عقد الدورة العادية للمجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة خلال دجنبر الجاري بمدينة فاس بمشاركة نحو ثلاثمائة من العلماء من 32 بلدا إفريقيا، والتي خصصت أساسا لبحث سبل التحقيق الميداني لأهداف المؤسسة.
وإضافة إلى الشأن الديني، فقد شكلت سنة 2017، أيضا، محطة لتكريس المبادرات التضامنية التي دأب المغرب على إطلاقها في كل أنحاء القارة. ومن ضمن هذه المبادرات التي تعكس الانخراط الإنساني للمملكة في خدمة ساكنة إفريقيا، هناك على الخصوص، بإرسال مستشفى ميداني عسكري أقيم في إطار بعثة إنسانية لفائدة ساكنة جمهورية جنوب السودان، وتسليم جلالة الملك لهبة من المعدات والتجهيزات الطبية لفائدة المستشفى المركزي بعاصمة هذا البلد، وهبة إنسانية لفائدة ساكنة هذا البلد شرق الإفريقي.
سنة 2017 كانت أيضا سنة منجزات على المستوى الرياضي بإفريقيا، حيث تميزت بالخصوص بتأهل المنتخب المغربي لكرة القدم لنهائيات كأس العالم (روسيا 2018)، بعد تحقيقه “رقما قياسيا” في الإقصائيات المؤهلة لهذه التظاهرة العالمية، حيث كان المنتخب الوحيد الذي لم تسكن مرماه أي أهداف من بين المنتخبات العشرين المشاركة بالدور الأخير للتصفيات.
كما تميزت سنة 2017 بفوز نادي الوداد البيضاوي الفائز بكأس عصبة الأبطال الإفريقية لهذا الموسم، الذي يتنافس في قائمة أحسن نادي إفريقي إلى جانب نادي الأهلي المصري.
هكذا إذن، تكون سنة 2017 سنة منجزات بالنسبة للمغرب على مستوى إفريقيا، في كل المجالات، بما يكرس حضور المملكة كبلد وازن في القارة، ويؤكد حرصه الراسخ على تحقيق الهدف الذي سطره جلالة الملك حين قال في أحد خطاباته “إننا بصدد بناء إفريقيا واثقة من نفسها، متضامنة ومجتمعة حول مشاريع ملموسة، ومنفتحة على محيطها”.