“سجلت المندوبية السامية للتخطيط ارتفاع معدل البطالة خلال الفصل الثالث من سنة 2017، من 10,4 بالمائة إلى 10,6 بالمائة على المستوى الوطني، حيث انتقل عدد العاطلين، ما بين الفصل الثالث من سنة 2016 ونفس الفترة من سنة 2017 ، من 1.194.000 إلى 1.236.000 شخص، أي بزيادة تقدر بـ 42.000 شخص على المستوى الوطني”.
“عمّق آخر تقرير للمجلس الأعلى للحسابات من جراح المدرسة المغربية، بكشفه عن أرقام صادمة بخصوص واقع النظام التعليمي برمته، وعلى رأسها استمرار ظاهرة الهدر المدرسي بشكل مقلق، بحيث أن 218 ألفا و141 تلميذا تركوا مقاعد الدراسة خلال السنة الدراسية الماضية، أي ما يعادل أزيد من 3 في المائة من إجمالي التلاميذ المسجلين برسم السنة الدراسية المذكورة”.
قد يتساءل البعض عن سر هذا التمهيد وعلاقته بالشأن الرياضي الكروي، حسنا عزيزي القارئ، فعلاقة هذه الإحصائيات بالجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، علاقة وطيدة، بدأت تتأصل جذورها منذ زمن ليس بالبعيد، تأصل الجذر جيدا فتسلل إلى عهدنا هذا ببطولته الاحترافية، بل سيستمر في “التجذر” حتى نكون أمام واقع ملموس يرى بالعين المجردة، لعبارة جماهير الرجاء في مباراتهم ضد التطوانيين، والتي برمجت من طرف الجامعة وسط الأسبوع وبعد الزوال في عز الدراسة والاشتغال … فما كان لحال لسان الجماهير إلا أن يصيح : “ما بغيتونا نقراو، ما بغيتونا نخدموا، ما بغيتونا نوعاو، باش تبقاو فينا تحكموا”.
حسنا .. سنستمر في السرد، مادام فيه خدمة لهذا الوطن الحبيب، وخدمة للعبة الشعبية رقم واحد بالعالم، فهل تأخذ لجنة البرمجة هذا المعطى بعين الاعتبار أم أنها تسير على خطى خرافات بعض المغاربة حول “نظرية الملاعب ترحب بالعاطلين” ؟ وكيف للقاءات قمم كروية من شأنها أن تستقطب جمهورا غفيرا، أن تلعب وسط الأسبوع بل بعد الزوال ؟ ضاربة عرض الحائط بتوقيت الدراسة والعمل سواء الشتوي أو الصيفي، هذا الأخير مجازا لنذكر أن شمسه ستغيب إن توالى هذا الحال بخصوص برمجة مباريات كرة القدم لشعب مهووس باللعبة، ومن باب رفع الوعي أن أذكر بحالة عجوز ينحدر من مدينة بوينس آيرس الأرجنتينية، متزوج وأب لخمسة أبناء، يعمل كبائع للأحذية، هذا العجوز يعشق فريق بوكا جونيورز إلى حد الجنون، إذ يقول : “لا أبالي بالأسرة، فأنا منذ شبابي تعلمت كيف أجني المال، وكل هذا من أجل أن أرافق البوكا أينما حلت وارتحلت، أنا أعمل من أجل البوكا وبيتي هو لا بومبونيرا … أما أبنائي وزوجتي فتقبلوا الأمر سنوات مضت وهم الآن يتحملون مسؤولية أنفسهم”.
لنعد الآن إلى واقعنا الأليم، في شقه السياسي والرياضي والثقافي … وحتى محاولة دمجهم تؤدي بنا إلى أعلى درجات سلم ريشتر، ونكون قدر المسؤولية في الاعتراف بأن الملاعب لا يرتادها العاطلون، وأن برمجتنا عشوائية، وأن نخبة هذا البلد يعشقون الكرة، يرددون الأهازيج ويستمتعون بجسمانية الراقي، تدخلات الحواصلي وفنيات زيد كروش وبديع أوك … فلماذا نبخسهم حقهم في الفرجة، ونتلاعب بمشاعر ألاف الشغوفين ببساطة اللعبة ؟ إرحموا موظفا يعاني من تسلط مديره طيلة الأسبوع فينتظر فقط مباراة فريقه المفضل، إرحموا ذلك التلميذ، فكفاه فشل المنظومة التعليمية، إرحموا ناسا تنسيهم عبارة “لعبي يارجا راه الحبس كيتفاجا”، برودة القضبان.
لقد لمسنا في جمهور الرجاء مؤخرا ثقافة لا يثقنها إلا الفنان المثقف، الملتزم والمبدع، عكس ما يعتقد البعض، فهذا “البعض” سخرت منه الجماهير الخضراء بإبداع يحمل دلالات عميقة وقوية، وظف في لوحة جميلة وهي تحتج على البرمجة التي اعتبرتها تساهم في الهذر المدرسي والأمية والبطالة، إذ جعلت فصائل الرجاء من المناسبة، ورغم الإكراهات، موعدا هاما، قررت من خلاله بعث رسالة هزلية وذلك بحضور كل فرد بزي العمل أو الدراسة أو بدون بالنسبة لمن لا يدرس، معتبرة أن الأمر واقع مجتمع وواقع “المكانة” كشريحة كبيرة تمثل الطبقة الشعبية بالبلاد.
سنغير الزمان، ليظل المكان تابتا، ففي الجهة المقابلة لـ”لمكانة” يجلس فصيل “الوينرز”، والذي كان قد خاطب الجامعة، بلجنة برمجتها وعصبتها الاحترافية، ببلاغ شديد اللهجة، بعد أن برمجت إحدى مقابلات الوداد ذات إثنين بعد الزوال، وبين إثنين الوداد وأربعاء الرجاء هناك ثلاثاء الجامعة، حيث تأخد قرارات لم تتغير لحدود كتابة هاته الأسطر، ولم تبالي برسائل الفصائل ولا حتى بالإحصائيات الأليمة، ولا بحناجر غيورة تصيح : “نحن مواطنون بحس وطني كبير وواع بالمسؤولية” … فمتى سيستوعب الدرس ؟ وفي انتظار الجواب ذات ثلاثاء، سنعود لرقي “الوينرز” في مضمون رسالة إلى أعضائها بعدم التغيب عن الدراسة والتشجيع على عدم الحضور للعمل، فمبادئ وقيم الجمهور الأحمر ثابتة ولن تساهم في فقدان تلميذ أو طالب لدروسه كما لن تدفع بأي وداد لتضييع لقمة عيشه.
تتفرق وتختلف جماهير البيضاء بالخصوص، إلا أنها تجتمع في رسالة واحدة ومسؤولة موجهة لأصحاب القرار، “لا نعاني من البطالة جميعا” و” نسبة البطالة انخفضت” إذا فالكرة للجماهير، لطبقة تتنفس هواء “البالون” بل فاقت في الشغف عجوز بوينس آيرس، كما أنها سئمت وضع القرارات المزاجية، ومصطلحات “الدواعي الأمنية” وبين خبر تغيير توقيت مباراة أو تغيير ملعب هناك خبر يفيد بنفس الشيء، فرجاء كفاكم تلاعبا بأحاسيس نخبة هذا الوطن الحبيب، وبعقول كل الأطياف من تلاميذ وطلبة، موظفي الدولة، موظفي القطاع الخاص، تجار العمل الحر، حراس السيارات، فحتى ربات البيوت والسجناء تنسيهم حرارة المباريات ودفئ المدرجات، قسوة ارتفاع الأسعار وضعف الأجور، فاجعة الصويرة وجرادة، حروب الطرقات، بل أكثر من هذا عقوبة سجنية وصلت إلى 20 عاما.
وعلاقة بالموضوع، فالمغرب مقبل على تنظيم كأس إفريقيا للمحليين، وكذلك مرشح لتنظيم كأس العالم 2026، وأمام هذا وذاك، مباريات تلعب في 8 ملاعب ونصفها في ملعب واحد، أما ملعب نجم الشباب والعرائش و30 متفرج فتلك قصة أخرى … أما القصة التي حررنا من أجلها هذه المادة، فسنصيغها على شاكلة أسئلة، أي تصور لتسيير المنشآت الرياضية في ظل الأزمة الراهنة ؟ هل قلة البنيات التحتية الرياضية سبب في تدني الرياضة بصفة عامة أم سوء تسيير المنشآت الرياضية هو الذي ساهم في ذلك ؟
وإنه لمن العيب والعار أن يسير فريق حسنية أكادير نحو تحقيق لقب بطولة الخريف في دجنبر، ومطارده الرجاء تنقصه مباراة ديربي مقررة في فبراير … وفي ظل حالة الاستنفار و”الزوبعة” داخل لجنة البرمجة، التابعة للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، بسبب كأس أمم إفريقيا للمحليين، التي سينظمها المغرب، مطلع الشهر المقبل، والمقررة مابين 12 يناير إلى 4 فبراير 2018، وقرار توقيف الدوري الوطني لأزيد من شهر، من أجل ترك المجال للعناصر الوطنية للاستعداد، بحكم أن القانون يبيح للأندية عدم خوض المنافسات إذا كان هناك 3 لاعبين منادى عليهم للمنتخب الوطني … ستجد العصبة الاحترافية نفسها أمام مأزق كبير، علما أن الاتحاد الدولي لكرة القدم يحث الاتحادات الكروية على إنهاء الموسم، في أواخر شهر ماي المقبل، لترك الفرصة للمنتخبات للاستعداد لكأس العالم، الشيء الذي سيجعل الجامعة في ورطة بسبب عدم نهاية الموسم الرياضي، في وقته المحدد.
ولكي نختم بما بدأنا به … قد يتساءل البعض عن دواعي اختيارنا لهذه الخاتمة، طبعا الدواعي ليست “أمنية”، ولكنها من جانب الإخبار والنصيحة، رجاء لا احتجاج بعد الآن فالحال سيستمر كما هو عليه، وما لم تغيره أسر الريف لن تغيره أسر المدرجات …. مادمنا نحن من نريد خلق من تسمونهم ب” الخارجين عن القانون والمجتمع”، لكن تبقى العبارة السائدة هي، عاشت اللعبة الشعبية رقم واحد بالعالم ولا عاش من أفقدها رونقها ومتعتها.
مهدي عصفاري