وإذا فاس سُئِلَت بأي ذنب أُهْمِلت..؟!

“عنداك تجبد تليفونك فالشارع..

ما تمشيش من ديك الطريق واخا الدنيا عامرة..

متطلعش من الدرب اللوراني..وهبط الزاج ديال التاكسي منين تطلع.

دعونا نتوقف عند هذه الكلمات أو بعبارة أصح عند هذه الوصايا التي قد تبلغ أحيانا عشرون وصية من أجل سلامتك الجسدية وسلامة ممتلكاتك، ودعونا قبل هذا كله نذكر بعضنا أن هذه الوصايا لا تهم ساكنة إحدى مدن أمريكا اللاتينية ولا علاقة لها لا من قريب أو بعيد بالعاصمة الفنزويلية كراكاس والتي أظهرت دراسة أجراها مركز أبحاث مكسيكي، أن المدينة احتلت المرتبة الأولى كأخطر مدينة في العالم بعد وصول معدل الجرائم فيها إلى 120 ألف جريمة لكل 100 ألف مواطن قبل عامين.
الحديث هنا عن مدينة كانت ورب الناس خير مدينة ولدت من رحم التاريخ قبل اثنتي عشرة قرنا من الآن، لتتحول فيما يشبه الكارثة إلى مدينة منكوبة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.

قبل عدة أشهر كنت بالعاصمة الرباط والتي كانت تشهد عملية إعادة تهيئة لمختلف شوارعها الرئيسية وأزقة باب الأحد، وعلى جنبات الطريق تسمرت بغرابة لوحات كتب عليها “الرباط مدينة الأنوار عاصمة المغرب الثقافية”..وقفت طويلا محدقا فيها ومتسائلا ماذا بقي لمدينة فاس بعد أن أخذ منها ماكان يميزها بين أخواتها من المدن..؟

فاس يسرق منها اليوم كل شيء جميل. فجأة أصبحت الرباط عاصمة ثقافية للمملكة وباتت فاس روحية فقط وبلا روح.
أينما وليت وجهك ثمة شيء قبيح يلفح وجهك، شعاع سكين أو سيف أبيض يمزق جنبك ويسلبك محفظتك أو حياتك. ولا نبالغ حين نقول أن الإجرام بفاس قد أوصل المدينة إلى العالمية ولكم أن تعودوا لإحدى حلقات “تريندينغ” على قناة بي بي سي لتعرفوا أي حضيض وصلنا إليه وإن كان سقوط المدينة لا يزال حرا ينتظر يدا رحيمة لتتلقفها.

أينما وليت وجهك ثمة “براريك” وأحياء نمت على أطراف المدينة المتناقضة. ما عدنا نعرف هل هي مدينة أم قرية كبيرة مثلما تساءل ذات مقال الدكتور محمد الزوهري وهو صحافي وأستاذ جامعي قلبه على المدينة.

الحي الصناعي سيدي ابراهيم تحول فجأة إلى مكان شبه مهجور ومشلول بعد أن أغلقت جل المصانع أبوابها في وجه الشباب وقالت للبطالة “هيت لك”، وإذا مررت به ليلا وقادتك الصدفة إلى هناك سيفزعك المشهد. أعمدة إنارة ضوءها باهت قد مال بعضها من شدة الأسف والعتمة، وبعضها الآخر يجاهد ليضيء على الأقل “نفسه”.

الأحياء الناقصة التجهيز كما سماها برومانسية مبالغ فيها سكان “شانتكورس” الْمُلتحين هي في حسبان المنتخبين صناديق اقتراع ليس إلا. تعيش مع السلطة المعينة و المنتخبة بين المد والجزر تفرح ساعة بتحرير إحدى شوارعها من احتلال الملك العام وتسعد أيما سعادة بإصلاح “بولة” لها ضوء شمعة في أحد دروبها المتآكلة وقد تشكر حسنتهم هذه جمعيات تكسبية تمسك العصى من الوسط تتودد أحيانا وتتملق أحيانا أخرى، فيما الجمعيات المحترمة وعلى قلتها تجاهد نفسها بإمكانيات ضعيفة وبعقول شابة لم تمسسها بعد ملوثات الوسط وعوامل تعريته، تجاهد لتنظيف شبه حدائق ومسطحات جرداء وقبور المسلمين قبل أن توزع في بلد “زيرو ميكة” أكياس بلاستيكية في عيد الأضحى لجمع بقايا الأضاحي.

كأني بأحد لا نراه يريد الاجهاز على قدسية فاس وعراقتها. يريد سرقة أصالتها وعمقها، يريد ترييفها ويدفع بسكان القرى إلى ترك رحابة الأرض ورائحة التربة والمجيء إلى مدينة لا تقدم شيئا لأبنائها فكيف تقدمه لهم..؟

وهكذا تتحول الهجرة القروية إلى لعنة بعد أن يكبر أطفالهم ويتنمى بداخلهم الحقد الطبقي الذي يتحول إلى نزعة عدوانية قاتلة بعد أن أخلفت المدينة وعدها بأن تكون جنة عدن تجري من تحتها الأحلام والآمال.

بعد تلاوتك لهذه السطور لا تفتح هاتفك في الشارع..إنهم هناك يتربصون بك..وإذا شئت التعليق أدخل بيتك وأغلق الأبواب والنوافذ..تأكد أنك بأمان..أشهر هاتفك في هدوء أنت الآن بأمان فقط بين الجدران..

وأما من عليه التجنيد إجباريا فهؤلاء الذين لفظهم المجتمع ولفظوه فسرقوا ونهبوا وقتلوا وعاثوا في المدينة إجراما، خذوهم إلى تيشكا لشق الطرق في الجبال وغرس الأشجار في الصحراء. آنذاك قد يعقل أكثرهم في انتظار تجنيد أبناء علية القوم لمن شاء منهم أن يتهذب..أفلا يتهذبون..!

 

 

حمزة لخضر..