في واحدة من خرجاته المثيرة للغثيان وفي مشهد يوضح الضحك “الباسل” لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني، طالب هذا الأخير من المغاربة تشجيع السياحة الداخلية واكتشاف معالم بلدهم من أجل المساهمة في إنعاش القطاع السياحي بمختلف أنشطته، وذهب الرجل بعيدا إلى حد إعلانه إصدار منشور لإلزام وزراء حكومته بقضاء العطلة الصيفية في المغرب وعدم مغادرة البلاد، في قرار ساري المفعول إلى نهاية العام 2020. وهنا وجب التوقف عند نقطتين مهمتين وإن بدا الأمر غبيا وساذجا لدى بعض “البجيديين” إلا أننا ندعوهم لتحمله وتقبله.
النقطة الأولى هي أن رئيس حكومتنا دعا المغاربة لهذا الأمر المحمود طبعا وبدون استثناء، متناسيا هم ووجع طبقة عانت ولا تزال تعاني من آثار الجائحة المدمرة، هذه الطبقة التي لم ترى البحر إلا في شاشات التلفزيون أو على أغلفة المجلات داخل عيادة رديئة لصانع أسنان يمتهن قلع الأضراس. طبقة حاولت مرارا إرسال الرقم 1212 لتستفيد من الدعم المخصص لها أساسا ولم تحظى به لأسباب هو من عليه شرحها.
وأظن رغم أن بعض الظن إثم وليس كله أن رئيس الحكومة وهو يقدم هذه الدعوة الفاخرة بحب الوطن، تناسى أن الناس لم تستيقظ بعد من هول ارتفاع فواتير الماء والكهرباء وغلاء أسعارها الذي ألهب الجيوب الفارغة إلا من بركة ربانية تسد الرمق وتذهب العطش. كما تناسى صراع الأسر مع مؤسسات التعليم الخاص الذي وصل إلى القضاء من أجل البث والفصل فيه، وتغاضى عن اقتراب عيد الأضحى الذي كان المغاربة يمنون النفس بأن يذهب عنهم شيئا من عام الحزن هذا.
لقد تناسى رئيس الحكومة أن هناك من صام رمضان إيمانا واحتسابا وجوعا إلا من لقيمات يقمن صلبه ويجعلنه قادرا على مواجهة اليوم الموالي بما يحمله من صعاب وتحديات لطبقة المياومين والباعة المتجولين وأصحاب المهن الحرة والبسيطة، “أولاد باب الله” كما يسميهم القانعون القانتون والذين هم لكبريائهم حافظون. لقد تعامى السيد العثماني على كل هذه المآسي التي يتجرعها الكادحون ودعاهم للاستمتاع بالسفر المحلي وعلى محياه ترتسم ابتسامة تلميذ أرسله أستاذه في بعثة رسمية ليتسول شيئا من الطباشير من أستاذ آخر.
النقطة الثانية وهي أهم من كل ما ذكر، وهي محاولة يائسة أراد من خلالها رئيس الحكومة إقناعنا بأنه سيلزم الكبار داخل الدولة على الصبر معنا وقضاء عطلتهم تحت شمسنا، متزاحمين معنا جنبا إلى جنب على شواطئ هرهورة بالرباط والنحلة بعين السبع وغيرها من شواطئ “أولاد باب الله”، العثماني وهو يتحدث أراد إرسال رسالة مفادها أنه السيد الرئيس وأنها فرصة لكبح جماح الكبار عن مغادرة البلاد إلى المنتجعات الفاخرة وراء الشمس، وأن “فلوس” الكبار الأحق بها “زعطوط ولد البلاد”.
وهنا نتساءل ماذا لو أراد أخنوش مثلا امتطاء صهوة طائرته الخاصة والتحليق وهذا حقه طبعا، هل يستطيع العثماني “يحيد ليه الكونطاك ديال الطيارة”، وهل يستطيع أن يقول لمولاي حفيظ العلمي لا تسافر هذا العام إلى منتجعك المفضل، والكبار الآخرون منذ متى يلتزمون بتعليمات رئيس “بحال العثماني”، وهم معذورون في هذا طبعا.
أخيرا نريد أن نطمئن رئيس الحكومة ونقول له سيدي نحن لن نغادر وطننا هذا العام ولن نركب طائرة الايرباص لقضاء عطلتنا الصيفية في منتجع “شيفال بلان رانديلي” بالمالديف، وسنؤجل رحلة “فور سيزن ريزورت” التي كنا ننوي قضاءها في خليج “باغايو” في كوستاريكا، ولكن فقط اسمحوا لنا بالاستمتاع بفلوس “الجايحة” قليلا، وكفوا أيدي شركات الماء والكهرباء الجشعة عنا، واتركونا نحترق بوطنية تحت شمس يوليوز في هدوء ونرقد بسلام، ورجاء “بلا طنيز” و “طفي لامبا وأنت خارج”. حمزة لخضر