دنيا وإحساس وصحافة بلا إحساس..!

كغيري من معشر “الفايسبوكيين” صادفت أحد الفيديوهات المثيرة تلك التي يصورها أصحابها ليحظوا بكثير من المتابعات، وكثير من علامات الإعجاب الزرقاء والحمراء وحتى الوجه الغاضب والتعليقات المسيئة لناشر الفيديو مرحب بها، ليس محبة في الديموقراطية وإيجاد مساحة حقيقية لها لتمرح وتسرح فيها، بل لأنها دليل على أن كل ممنوع مرغوب وأن أكثر من يشتم ويسُب هذا النوع من الصحافة هو أحد متتبعيه وتستهويه الفضيحة كغيره وهذه نقطة نتركها للباحثين في علم الاجتماع وللمهتمين بسيكولوجية الجماهير ليحللوها ويَشْرَحوها ويُشَرِّحوها.
ما يحدث اليوم للجسم الصحفي أمر يَنْدى له الجبين وتتعرق له الجباه “للي عندها علاش تحشم”.
أُناسٌ ظهروا فجأةً من العدم و”قْطرْ بيهم السّْقَفْ”، ودخلوا المجال حاملين ميكروفونات ملوَّنة على رأسها “بونجة” من الحجم الكبير عملها الوحيد هو رصد كل شيء يتحرك وكيفما كان بعد أن فهمت عبارة “عض رجلٌ كلباً” على نحو خاطئ، وصارت تقدم إنتاجاتها المُسَمَّاة افتراءً وبهتانا إنتاجات صحفية وإعلامية، ولكم أن تتخيلوا خبرا يحمل عنوان “ذبابة عاطسة تنقل عدوى كورونا”، في مشهد مقيت ويبعث على الضحك والبكاء في آن، ولمن يضحك سبب ولمن يبكي سبب ولا حول ولا قوة إلا بالله..
ودعوني أعود إلى الفيديو الذي أثار حفيظتي لأكتب هذه السطور، ويتعلق الأمر بفتاة “دارت البوز” اسمها دنيا ويرافقها في كل فيديو زوجها إحساس، وكانت الفتاة مزهوة بنفسها وهي من قامت بكل شيء، غنَّت وسُلِّطت عليها الأضواء وكل هذا لا يهمني ولم يسبق لي أن كتبت عن هذا “الكوبل” ولا عن غيره عملا بمبدأ “دعِ الخَلْق للخالق”..ولكن حين قررت هذه الفتاة الدخول إلى عالم الصحافة وصرحت بها فهنا لابد لنا من أن نتوقف قليلا، خصوصا وأن الأمر لا يعد مجرد تصريح بل قد يصبح حقيقة فيما بعد وهناك تجارب سابقة، وشخصيا لست ضد دخولها للمجال ولكن يجب أن تمر من باب التكوين أولا لتفهم المعنى الحقيقي للصحافة، وتفهم الفرق بين الصحافي وحامِل الميكروفون.
علينا الاعتراف أننا صرنا إزاء فوضى عارمة يعيشها هذا القطاع الحيوي في شقه الإلكتروني، ولهذا كنت من الذين رحبوا بقانون الملاءمة حتى نضع حدا لهذا التسيب الحاصل على المجال وحتى لا تصير مهنة صاحبة الجلالة مهنة من لا مهنة له، فهذا يسيء لنا جميعا ويحز في نفوسنا ويقلل من احترام مهنة نبيلة لطالما لعبت أدوارًا طلائعية في التثقيف والترفيه الجاد ونقل الخبر بثالوثه المقدس المصداقية والموضوعية والحياد.
لا ألوم دنيا ولا إحساس ولكن ألوم من صوروا معهما وقدموا لنا منتوجاً بلا شعور ولا إحساس.

حمزة لخضر