حكاية كورونا مع طفل من عوينات الحجاج بفاس..من المسؤول..؟

قبل أيام كنت بمدينة فاس جالسا بإحدى ملاعب القرب حيث دارت مباراة بين أطفال حي عوينات
الحجاج الشعبي، وما أخذني إلى هناك حقا هو محاولة الهروب من عالم الكبار لكسر رتابة الأحداث المتسارعة والمتلاحقة الذي تعيشه الإنسانية على ظهر هذا الكوكب.
جلست بالقرب من شبه دكة احتياط أحد الفريقين فوق كرسي خشبي، جاءني به أحد المشرفين عن المباراة، كنت أجول ببصري يمينا وشمالا، أتتبع حركات وسكنات الأطفال وهم يركضون خلف كرة من الأماني والأحلام، وفي لحظة جاءني صوت طفلين جالسين على جانب الملعب، يرتديان لباسهما الرياضي وينتظران دورهما، وأثناء هذا الانتظار الذي ولاشك كان طويلا جدا عليهما، دار بينهما حوار غريب جعلني أتساءل عن مستقبل الأجيال القادمة وعن دور الأسرة والإعلام وكل من له علاقة بالتربية والتعليم داخل هذا الوطن.

“كورونا ما كايناش غير كذبة طلقاتها ميريكان هي والشينوا”..
هكذا قال أحد الطفلين لألتفت صوبهما مذهولا ومندهشا، وبطريقة سلسة قررت أن أجعل نفسي فردا من هذا الحوار الغير متكافئ، لأنني حقا شعرت بالعجز لحظتها وتساءلت كيف يمكنني أن أقنعهما بأن الفيروس اللعين قاتل وحقيقي وليس إشاعة مقيتة ولا قصة خرافية الغرض منها إخافة الأطفال المشاغبين الذين يرفضون شرب الحليب قبل النوم ويرفضون النوم في موعده المحدد، ثم تذكرت لحظتها أن هذا الجيل الذي يسكن الأحياء الشعبية ممن يتلقى تربية أخرى وسط الدروب والأزقة لا يشرب الحليب قبل النوم ولا مواعيد محددة حتى لدخوله البيت، ولا يعيش سنه كبقية الأطفال ممن كتب عليهم أن يولدوا في بيئة راقية أول ما تتعلمه احترام قوانين البيت، فكيف سيكون حال هؤلاء الأطفال إن لم تكن هناك قوانين تحكم دخولهم وخروجهم من البيت وأنا الذي صادفت العشرات منهم وقت الحجر يتجولون بلا كمامات ويملؤون الأحياء بالصراخ والجري بين الأزقة دون أن يبحث وراءهم أحد “والله يحسن العوان”.

سألت أحدهما ممن شكك في وجود الفيروس محاولا تبسيط كلامي ما أمكن عمن أخبره بهذا الأمر، فجاءني الجواب بضحكة ساخرة “عشيري الخوادرية كانت مريضة بكورونا وماوقع ليها والو شربوها غير دوليبران”..
بعد هذا الجواب فهمت أن هذا الحوار سيزداد صعوبة علي خصوصا بعد أن تحدث هذا الصبي حتى عن الدواء المقترح في العلاج، ولم يكن أمامي سوى أن أجاريه حتى أغير قناعته البريئة اتجاه هذا القاتل الفتاك. حاولت ان أشرح له ان مناعة الأشخاص تتفاوت من شخص لآخر وأن شابا مصابا بكورونا قد يتجاوز المرض ويعيش ولكن إذا نقل العدوى لشخص مناعته ضعيفة فلن تجدي معه العقاقير والأدوية وستصبح حالته خطيرة وقد يموت لا قدر الله.
كنت أجاهد لأبسط الأمر أكثر وأكثر وأخبره أننا نعول عليه هو وأصدقاءه لنشر الوعي في أسرهم، وفي وسطهم وبين أقرانهم.

فجأة قاطعتنا صافرة الحكم الذي أعلن عن إحداث تغيير في صفوف الفريق، نهض الصبي بفرحة غامرة وهو يقول لي “ما تعمرش راسك أ عمي بهادشي”.
تركني مذهولا تماما وفي قلبي غصة حقيقية حول حقيقة ما يفكر به أطفالنا في قضايا مصيرية، قضايا تتعلق بالموت وبالحياة، قضايا تتعلق بمستقبل الأجيال، غير أنني كنت شجاعا في قرارة نفسي وأعلنت أنه لا يتحمل قيد أنملة فيما يفكر فيه، وأننا نحن المسؤولون عن طريقة تفكير الأجيال.

الأسرة ووزراة التربية والتعليم ووزارة الثقافة وورجال ونساء الإعلام وفعاليات المجتمع المدني، الكل مسؤول عن كلام هذا الطفل ولا أستثني أحدا، فحين تصل الأمور إلى هذا الحد المخيف فلابد من التساؤل عن أي جيل ننتجه للمستقبل وعمن سيكمل مسيرة الاصلاح والتنمية والمضي قدما نحو الفجر المؤدي شروقا نحو الشمس.

كل ما حز بقلبي لحظتها أنني غادرت دون أن أقول لذلك الصبي نحن آسفون عزيزي..حقا نحن آسفون..وأرجو منك أن تتقبل اعتذارنا وأرجو ألا يكون اعتذارنا قد جاء متأخرا..

 

حمزة لخضر..