– حمزة لخضر
هذه إحدى سيئاتنا التي تَتَكَشَّفُ عند الأزمات..علينا الاعتراف أننا انتقائيون بشكل بشع..
هناك في “الغزالة زاكورة” ماتت الطفلة نعيمة وضاعت من أسرتها لأزيد من شهر..ثم عثر عليها أخيرا وبعبارة أصح عُثِر على ما تبقى منها..هيكلها العظمي..شعرها..وملابسها..
هذا كل ما وجده أحد الرعاة بدوار تفركالت ضواحي مدينة اكدز بإقليم زاكورة.
نعم كل ما تبقى من هذه الطفلة التي لم يتجاوز عمرها الخمس سنوات هيكل عظمي فقط، وبقايا نظرة بريئة لا شك أنها كانت دامعة حد الألم وهي تصرخ لوحدها..هذا إن لم تكن قد خنقتها العبرة..فماتت مكتومة الأنفاس..
لكن الأكثر ألما هنا هو الازدواجية في التعاطي مع قضايا أبنائنا وبناتنا، وكلما كانت المنطقة مضيئة لامعة براقة وطرقاتها معبدة ولا جبال فيها ولا أراضي مقفرة زاد حجم التعاطف وكثر المعزون والمستنكرون والمدينون وأصحاب التدوينات الفايسبوكية، وزاد معها حجم التأثير والضغط والحشد.
وبالمقابل كلما ابتعدنا عن المركز وصعدنا الجبال وزرنا المناطق البعيدة والقرى النائية قل الاهتمام وغابت الصفحات وهدأ الشجب والاستنكار والإدانة قبل أن يموت الصوت فلا تسمع منه إلا بكاء الاسرة التي فقدت طفلها، وحتى ذاك الصوت لا طريق له إلا السماء حيث الإله العدل.
ولنكن واقعيين فالفنان الكوميدي باسو بتدوينته حرك البركة الآسنة وصنع لها مجرى لتتدفق من خلاله مياه التعاطف والاهتمام، ولنكن موضوعيين أكثر علينا الاعتراف أن ما قاله يعكس حقيقتنا المؤلمة، فالمشكل حقا هو مشكل عقلية وجغرافية وهذا أكثر ما يؤلم في كل ما قاله أكثر من الاغتصاب نفسه.
الحقوقيون في الجنوب الشرقي وضعوا بكل أسف مقارنات مؤلمة بين حجم التعاطف في قضيتي الطفل عدنان ابن مدينة طنجة والطفلة نعيمة ابنة مدينة اكدز رحمهما الله، وهذا منطقي بالنظر لحجم تداول خبر القضية الأولى وتجييش الرأي العام لها، فيما أطفال الهامش لا تصلهم الكاميرات ولا أحد له من حمرة الخجل والضمير ما يجعله يوفد صحفيا إلى هناك ولو من أبناء المنطقة بصيغة “فري لانس” ليتابع القضية ويقف على حيثياتها ويضيء للرأي العام طريق ما يقع هناك.
غير أنه وللأسف غاب الجميع عن نعيمة، غاب عنها الإعلام وعدسات الكاميرات والباحثين في علم الاجتماع أصحاب المقاربات السيسيولوجية وأصدقاء غوستاف لوبون الذين يرددون اسمه ببذخ وهم يطلون من أبراجهم العاجية.
غاب عنها حتى معشر “الفسابكة”، ولا أحد تحدث قبل أن يتحدث باسو ويشعل فتيل غضبه فيما تبقى من ضمائرنا.
وأما السيد رئيس الحكومة والذي كان عليه أن يرسل ببرقية تعزية إلى والديها ويخفف عنهم ولو بكلماته الباردة شيئا من النار التي تعتمل في قلبهما، فربما لا علم له بالواقعة ولا نلومه فهذا دورنا ونعتذر عن التقصير حقا.
لقد قلتها في مقال سابق ليلة وداع الطفل عدنان رحمه الله، وأعيدها اليوم أنه وجب علينا جميعا أن نحقق العدالة لأرواح أطفالنا الأبرياء ضحايا الاختطاف والاغتصاب والقتل والدفن، ومن حقنا أن نطالب بإعادة تفعيل عقوبة الإعدام، إكراما لأرواح الأبرياء خصوصا الذين قضوا هناك وراء الجبال بعيدا عن الأضواء وماتوا لوحدهم ودفنوا لوحدهم دون جنازة تليق بأرواحهم الصغيرة ودون حتى أن يعرف أحد هوية من سرق ضوء نهارهم..
وقبل هذا كله لنقف قليلا أمام المرآة ونسأل أنفسنا لماذا نحن مركزيون جدا..؟
لا مركزية في العاطفة والتضامن والدفاع عن الحقوق..ولا فرق بين بين عدنان ونعيمة..
أطفالنا أبرياء من زمن الانتقاء..