– الأستاذة مارية الشرقاوي
اقتربت الاستحقاقات الانتخابية فاشتدت الحمى وكثر الجدل بل احتد كالعادة حول آلية الكوتا أو ما يصطلح عليه بالتمييز الايجابي بين مؤيد لتفعيلها و رافض لها، لكل حججه ومبرراته ودوافعه، سيما الكوتا النسائية يطرح حولها سؤال عريض هل هي إجحاف في حق المرأة المغربية التي أثبتت كفاءتها في جميع المجالات وليس فقط في المشهد السياسي، أم إنصاف لها؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال ارتأيت تقديم لمحة شاملة وموجزة عن آلية الكوتا من تعريفها اصطلاحا إلى مرجعيتها وأسباب وسياق ظهورها على مستوى العديد من الدول التي تفعلها.
الكوتا مصطلح لاتيني ويقصد به نصيب او حصة » Quota « ، ويرجع الأصل التاريخي لنظام الكوتا إلى مصطلح الإجراء الايجابيAffirmative action حيث أطلق لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية على سياسة تعويض الجماعات المحرومة إما من قبل السلطات الحكومية أو من قبل أصحاب العمل في القطاع الخاص، و كان في الأصل ناجماً عن حركة الحقوق المدنية ويتصل بالأقلية السوداء، أطلقه لأول مرة الرئيس(كيندي في عام 1961) وتابعه جونسون في برنامجه الذي كان يمثل جزءاً من الحرب على الفقر في بداية عام 1965، فتم تطبيق نظام حصص نسبية ( كوتا) يلزم الجهات بتخصيص نسبة معينة من الطلاب المقبولين فيها الذين ينتمون إلى أقليات أثنية، فطالبت به جماعات أخرى مثل الحركة النسائية.
والكوتا النسائية هي آلية تهدف إلى تمكين المرأة من الوصول إلى مراكز التشريع و القرار ، اقترحت في المؤتمر العالمي الرابع للمرأة ،سنة 1995 ببكين ، كحل لإشكالية ضعف تواجد المرأة بالمؤسسات المنتخبة و مراكز صنع القرار . فبتطبيق آلية الكوتا سيتم التخفيف من حرمان المرأة وتهميشها وإقصائها الذي استمر لفترات طويلة بفعل الأعراف والقيم الاجتماعية و الثقافية السائدة في المجتمع لأنها ستمنح المرأة الفرصة لإثبات قدرتها، وإقناع المجتمع بكفاءتها حتى يصبح تواجدها بالمؤسسات المنتخبة أمرا واقعا كمواطنة عادية متمتعة بحقوقها الدستورية وليست كمواطنة من الدرجة الثانية.
وتطبيق هذه الآلية يقتضي تخصيص نسبة معينة من المقاعد يلزم شغلها من قبل نساء . وهي ثلاثة أنواع فهناك الكوتا القانونية أو الدستورية التمثيلية التي يتم من خلالها تخصيص نسبة محددة من المقاعد في المجالس التشريعية للنساء، مثل الكوتا المطبقة في الأردن, حيث خصص القانون 10% من المقاعد للنساء. وهناك الكوتا الترشيحية التي قد تكون مقننة فتجبر الأحزاب على ترشيح نسبة محددة من النساء على قوائمها مثلما هو الحال في فلسطين, حيث نص قانون الانتخاب في عام 2005 على أنه “يجب أن تتضمن كل قائمة من القوائم الانتخابية المرشحة للانتخابات النسبية (القوائم) حداً أدنى لتمثيل المرأة لا يقل عن امرأة واحدة من بين كل من: 1.الأسماء الثلاثة الأولى في القائمة، 2.الأربعة أسماء التي تلي ذلك، 3. كل خمسة أسماء تلي ذلك”. والشكل الثالث للكوتا هي الكوتا الطوعية التي تتبناها الأحزاب في لوائحها دون وجود نص قانوني ملزم وهذا النوع من الكوتا تعمل به السويد . وهناك دول عمدت إلى تطبيق نظام “الكوتا” بأشكاله المختلفة الترشيحية منها والتمثيلية كالأردن وفلسطين والعراق و مصر، و دول أخرى أفريقية مثل جنوب أفريقيا والموزمبيق والسنيغال.كما أن آلية الكوتا اعتمدت من طرف العديد من الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا هاته الأخيرة عمدت إلى تعديل دستورها سنة 1999 ليشجع فرص المشاركة السياسية للمرأة في كافة الهيئات المنتخبة بشكل مساو للرجل، وحملت الأحزاب السياسية مسؤولية تيسير مشاركة المرأة ، وفي عام 2000 صدر قانون انتخابي جديد يطبق التعديل الدستوري السابق ( 50 – 50%) في كافة الأنشطة الانتخابية وعلى كافة المستويات المحلية ومنها مجلس باريس و باقي البلديات والمستوى الوطني في البرلمان الفرنسي وانتخابات البرلمان الأوروبي وغيرها.
وسيرا على نهج عدد من دول العالم، اعتمد المغرب نظام »الكوتا«، كآلية جديدة، تضمن تمثيلية النساء داخل قبة البرلمان، مما جعل عدد التمثيلية النسائية ترتفع، فخلال الانتخابات التشريعية لسنة 2002، وصل عدد البرلمانيات 30 من أصل 352 مقعدا، ليرتفع بعد ذلك إلى 60 في الولاية التشريعية الفارطة وإلى 70 في الولاية التشريعية الحالية حيث أضيفت عشرة نساء مررن عبر لائحة الشباب والآن من خلال النقاش الدائر حول القانون التنظيمي للانتخابات المقبلة وافقت وزارة الداخلية على إضافة ثلاثين مقعدا للنساء والتي كانت مخصصة في الانتخابات الأخيرة للشباب ليصبح عدد المقاعد المخصصة للنساء 90 مقعدا.
لكن إذا ناقشنا آلية الكوتا عبر منظور ديمقراطي سنجدها آلية تتعارض من حيث المبدأ مع الديمقراطية التي تقتضي التنافس الحر الشريف والمساواة القانونية ، كما أنها تؤدي إلى الإلغاء الجزئي لصوت الناخب و قد تفرز أحيانا نساء غير مؤهلات للقيام بالدور الممنوح لهن ،مما يجعلنا نتساءل عن مدى مساهمة نظام التمييز الايجابي القانوني في خلق مشاركة سياسية حقيقية للنساء سواء في العملية السياسية أو في مراكز صنع القرار؟ وهل المرأة المغربية غير قادرة على فرض نفسها ووجودها في المشهد السياسي ؟
الجواب واضح على مستوى الواقع فالمرأة قادرة على العطاء والتميز في المشهد السياسي إن تم الاحتكام للكفاءة لا للجنس ، فقد استطاعت اقتحام مجالات عدة ظلت حكرا على الرجل ردحا من الزمن، فاثبتت كفاءتها وحنكتها حينما فتح لها المجتمع الفرصة وتنصل من نزعته الذكورية ، فكانت العاملة، الشرطية، المعلمة، المحامية، سائقة الحافلة ، الوالي ، الربان ، الوزيرة …وما إلى ذلك من المهن والمناصب التي كان توليها لها في يوم من الأيام ضربا من الخيال.
فأكيد المشاركة الفاعلة للنساء في الحياة السياسية و الجماعية سبيل لتقدم المجتمع ورقيه من جهة،ووسيلة أساسية لتحقيق الديمقراطية من جهة ثانية ، وأكيد أنه لولا آلية الكوتا لكانت التمثيلية النسائية في المؤسسات المنتخبة مخجلة لمغرب 2020 ،مغرب يتوفر على وثيقة دستورية تنص على المساواة والمناصفة ، لكن هذا لا ينفي حقيقة ولا يرفع واقعا هو أن الكوتا النسائية يجب أن تكون حلا مؤقتا وليس دائما، فنظام الحصص لا يقوم على مبدأ “تكافؤ الفرص” الذي تناضل من أجله كل الحركات النسائية الديمقراطية ، هو إخلال جسيم بمبدأ الديمقراطية و المساواة الذي ينص عليهما الدستور،كما أن نظام الكوتا يعطي انطباعا بأن المرأة لا تستطيع أن تصل من خلال قدراتها الذاتية. وهذا التحليل لا يعني أننا لا نرغب في وصول المرأة إلى المؤسسات المنتخبة، لكن نرغب في أن يكون ولوجها لهاته المؤسسات من خلال خوض الانتخابات والتنافس بشكل ديمقراطي، وفي هذا الإطار مرحبا بحصولها على ثلث أو نصف المقاعد بالبرلمان مادامت صناديق الاقتراع من أفرز هاته النسبة كون الناخبون والناخبات من رأوا فيها القدرة على تمثيلهم والتعبير عن تطلعاتهم المشروعة في الحياة. فحل إشكالية ولوج المرأة المغربية للمؤسسات المنتخبة يكمن في الإيمان بقدرات المرأة وأن تؤمن المرأة بالمرأة، وأن تتحمل المرأة مسؤوليتها و تنخرط في المنظومة الانتخابية كناخبة ومنتخبة فضعف مبالاتها بالشأن السياسي وتعرضها للعنف بجميع مظاهره والفقر والأمية، وعدم إتاحة الأحزاب فرصا كافية لتعزيز مكانتها في المجال السياسي و في التمثيل البرلماني من خلال تضمينها وترتيبها في اللاوائح يقف حجر عثرة أمام تمكينها السياسي وبالتالي أمام تواجدها بالمؤسسات المنتخبة بنسبة مشرفة، لذا يجب الأخذ بعين الاعتبار كل هاته المعوقات و وضع حد للفكر الذكوري الذي يمكن أن يكون عند النساء أيضا حتى نضع قطيعة مع الأفكار البالية التي تقف سدا منيعا أمام الكفاءات النسائية ونكون بلدا متناغما مع ما ينص عليه دستورنا من ديمقراطية و مساواة. وقد أشار إلى هذه المعضلة صاحب الجلالة الملك محمد السادس في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية السابعة للبرلمان حيث قال جلالته “…….. ومع تهانينا للمنتخبين الجدد، واعتزازنا بارتفاع نسبة الشباب الأكثر تأهيلا، فإن التمثيل الضعيف للنساء في الجماعات المحلية يجعلنا نتساءل: إلى متى سنستمر في اللجوء إلى التمييز الإيجابي القانوني، لضمان مشاركة واسعة للمرأة في المؤسسات ؟ لا ريب أن الأمر يتطلب نهضة شاملة، وتحولا عميقا في العقليات البالية والوعي الجماعي، وفتح المجال أمام المرأة، بما يناسب انخراطها في كل مجالات الحياة الوطنية، لما أبانت عنه من جدارة واستقامة وتفان، في خدمة الصالح العام.”