أصبح مقياس النجومية في وقتنا الحالي مقترنا بعدد نسب المشاهدة على مواقع التواصل الاجتماعي، تحديدا في عالم الفن، فقد أضحت هذه المواقع والتطبيقات وأبرزها موقع رفع الفيديوهات “يوتيوب”، مصنعا لنجومية الفنان، حيث يعرض هذا الأخير أعماله، ليتسلّل إلى عالم النجومية والأضواء وبمنتهى السهولة، ثم سرعان ما يبدأ بالتفاخر والتباهي بتحقيق ملايين المشاهدات في وقت قصير، كمعادل لاتساع شعبيته لدى الجمهور، ومعيارا لمكانته في الساحة الفنية.
وبين مؤيد ومعارض لهذه النِّسب، يحدث الكثير من التشكيك، وتطرح العديد من التساؤلات حول هذه الأرقام الهائلة، لهواة تنجّموا بدون مقومات موضوعية، بل لم يتجاوز عمرهم الفني سوى عملين أو دونهما، على حساب نجوم ارتقوا بالفن عبر محطات ممأسسة، وتحت رحمة رقابة وصحافة مستقلة، تحلل وتدقق في المحتوى المعروض، بعد التنقيح في صاحبه، لتسفر هذه اللجان المذكورة عن تواجدٍ شرعي لنجوم حقيقيين.
وفي هذا المضمار، وجد معظم الفنانين منهم الصالح والطالح، في هذه الثورة الرقمية، فرصة تمكنهم من إثبات ذواتهم وأفكارهم، والمتنفس الوحيد لهروبهم من المنافسة الحقيقة المتمثلة في الحفلات والمهرجانات والترشح لجوائز غير مدفوعة، ما يدفعهم للبحث عن الانتشار بوسائل غير مشروعة، عبر اللجوء إلى شركات متخصصة بالأنترنت، تقوم بتضخيم وتهويل أعداد المشاهدة على أعمالهم المعروضة عبر حساباتهم الإلكترونية، مقابل مبالغ مالية، بالرغم من أن منصة “يوتيوب” تتبع إجراءات رقابية، لمكافحة هذه الأساليب المحتالة، دون جدوى.
ولطالما كان ولازال الشارع هو المقياس الحقيقي لقياس نسبة نجاح وانتشار أي عمل فني، عبر الحديث عنه وترديده في كل مكان، من طرف جمهور مقتنع باختياراته، وليس مجبرا نتيجة التلاعب بقراراته، بحيث أنه عندما يتم تحقيق ملايين المشاهدات على عمل معين بشكل مزيف، فإن الناس يندفعون لمشاهدة هذا العمل اعتقادا منهم بجودته، ومنهم من يشاهده لدقائق معدودة، أو من باب الفضول، وهذا لا يعني أن كل مشاهد يعتبر متابعا فعليا أو معجبا بالمحتوى، فالنقرة الجَلِيَّة كافية إذا كانت تعكس الاهتمام والمتابعة الحقيقية للفنان ولعمله الجيد، الذي في أغلب الأحيان لا ينال نسبة مرتفعة من المشاهدات، بالرغم من مضمونه الفني القيم، فارتفاع أو انخفاض هذه النسبة في العالم الافتراضي، لا يعبّر عن مستوى وقيمة العمل.
مناسبة الحديث هو استعانة المستشهرين وشركات الإنتاج في الآونة الأخيرة بنجوم هذه الأرقام الجسيمة، المهووسون بمواصلة سباق من سيحصد المليون في يوم واحد؟ على حساب المؤهلين ممّن يتمتّعون بالموهبة، لكن الشهرة الافتراضية، لا تصنع غير نجوم افتراضيين، لم يتضلّعوا دموع نجاح محقّق، بعد عناء وعياء ومعاناة ومُقاساة ويأس وانقضاض، كلها أساسيات تصنع أبطالا حقيقيين وليسوا “أبطال الديجيتال”.
نادية مصطفى