في خطاب مؤثر ألقاه وزير الشباب والثقافة، مهدي بنسعيد، خلال فعاليات الدورة التاسعة والعشرين لمجلس حزب الأصالة والمعاصرة، أكد على الإنجازات البارزة التي حققتها البلاد، وخاصة على الصعيد الدبلوماسي بقيادة جلالة الملك محمد السادس، والتي عززت من القناعة الدولية بعدالة قضية الصحراء المغربية.
**النجاحات الدبلوماسية والمكتسبات الوطنية**
افتتح بنسعيد خطابه بالإشادة بالديناميكية التي يشهدها ملف الصحراء المغربية، حيث أشار إلى أن المغرب حقق العديد من النجاحات والمكتسبات في هذا الملف، مؤكداً على المواقف الداعمة والواضحة للدول الصديقة والشقيقة. وأضاف أن هذه النجاحات تعزز الثقة في مبادرة الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية كحل وحيد لهذا النزاع الإقليمي. موضحا ذلك في خطابه،“إن بلادنا حققت عدد المكتسبات والنجاحات على مستوى قضية الصحراء المغربية، وهو ما يظهر عبر مواقف الدول العظمى، بالإضافة إلى المواقف الواضحة والدائمة للدول الصديقة والشقيقة، هذه الديناميكية التي يشهدها ملف الصحراء المغربية، يعزز الثقة المتزايدة في مبادرة الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية، كأساس وحيد لحل هذا النزاع الإقليمي المفتعل”.
**التحديات المستمرة ودور حزب الأصالة والمعاصرة**
وقد أكد الوزير على أن حزب الأصالة والمعاصرة يدرك التحديات المستمرة التي تواجه البلاد، بما في ذلك محاولات التشويش على الحق المغربي من قبل بعض الخصوم. وشدد على أهمية المرحلة المقبلة التي تتطلب المزيد من التعبئة واليقظة لتعزيز موقف البلاد والتعريف بعدالة قضيتها. جاء ذالك في كلمته،“إننا داخل حزب الأصالة والمعاصرة، واعون باستمرار خصوم بلادنا في تسخير كل امكانياتهم و ثروات شعوبهم للتشويش على الحق المغربي، ومحاولة نيل انتصارات زائفة تتنافى مع القرارات الأممية ومع الشرعية الدولية وحتى مع الواقع، كما حصل مع قرار محكمة العدل الأوربية مؤخرا، والذي حاول استفزاز المغاربة من خلال تزوير الوقائع وخيرا فعلت بلادنا حين اعتبرت أننا غير معنيين بهذا القرار غير المنطقي، لأن المعني به في الحقيقة هو القرار السياسي الأوربي الذي يعرف جيدا حجم صدق المغرب كشريك استراتيجي موثوق فيه.”
و انسجاما مع ما جاء في مضامين الخطاب الملكي السامي الموجه بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الجديدة، أضاف الوزير، “إننا داخل حزب الأصالة والمعاصرة، مدركين أن المرحلة المقبلة تتطلب من الجميع، المزيد من التعبئة واليقظة، لمواصلة تعزيز موقف بلادنا، والتعريف بعدالة قضيتنا، والتصدي لمناورات الخصوم، كما نعتمد التوجيهات الملكية السامية كحزب وطني مسؤول، خارطة طريق في رسم معالم تحركاتنا مستقبلا في قضية الصحراء المغربية.”
**التوجيهات الملكية والتنمية الاجتماعية**
استعرض بنسعيد التوجيهات الملكية السامية التي تعتبر خارطة طريق للحزب في مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وأشار إلى المبادرات الإنسانية والاجتماعية الأخيرة التي أطلقها الملك محمد السادس، بما في ذلك تأهيل المناطق المتضررة من الفيضانات وتقديم المساعدات للأسر المتضررة من الزلزال، والعفو على عدد من النشطاء والصحافيين، والتي لاقت استحساناً واسعاً. مبرزا ذلك في خطابه،”ذا كانت التوجيهات الملكية السامية هي خارطة طريق بالنسبة لنا في ملف الصحراء المغربية، فإنها كذلك في باقي القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وآخرها التوجيهات السامية لجلالة الملك للحكومة بتأهيل المناطق المتضررة من الفيضانات، وبتمديد تقديم المساعدات المادية الشهرية للأسر المتضررة من الزلزال، وقبلهما بأسابيع قليلة المبادرتين الانسانيتين المتمثلتين في العفو على عدد من النشطاء والصحافيين بمناسبة عيد العرش المجيد لهذه السنة، وعفوه السامي على 4831 شخصا من المدانين أو المتابعين أو المبحوث عنهم في قضايا تتعلق بزراعة القنب الهندي، في مبادرات اجتماعية نجدد باسمكم جميعا تثمينها والاعتزاز بها لما تخلفه من ارتياح شعبي كبير، وإشادات حقوقية وسياسية واسعة، داخل الوطن وخارجه، وتحملنا كنخب سياسية مسؤولية صيانة هذه المكتسبات الإصلاحية الاجتماعية والحفاظ على هذا الرصيد الحقوقي القوي، والدفع بهما نحو المزيد من التحصين والتقدم.”
**الإصلاحات السياسية والاجتماعية**
وفي الوقت الذي تحقق فيه بلادنا العديد من المكتسبات السياسية والديمقراطية، مما يجعلها تنعم بتطور سياسي وديمقراطي متواصل، وباستقرار مؤسساتي، دعا الوزير إلى ضرورة إجراء إصلاحات سياسية جديدة تهدف إلى تطوير الديمقراطية وجذب نخب جديدة للانخراط في الفعل السياسي. مؤكدا على أن الحكومة حققت العديد من الإصلاحات بفضل التوجيهات الملكية، ورغم التحديات الدولية، إلا أن هناك حاجة لمعالجة بعض الاختلالات الاجتماعية والعدالة الترابية. كما جاء في خطابه أمام أعضاء المجلس الوطني، “إننا في حاجة اليوم إلى إصلاحات سياسية جديدة، هدفها تطوير ديمقراطيتنا والرفع من جاذبية نموذجنا السياسي لجلب نخب جديدة بالانخراط في الفعل السياسي،اعتبارا منا بأن الإصلاح الحقيقي هو الذي يطور طرق العمل والممارسة السياسية و المؤسساتية.”
وأشاد الوزير مهدي بنسعيد، أن مختلف أوجه التقدم والإصلاحات التي نجحت الحكومة في تحقيقها رغم الظرفية الدولية الصعبة وتوالي سنوات الجفاف، هي بفضل التوجيهات الملكية السامية، وبفضل كذلك الانخراط المسؤول لباقي مكونات الأغلبية، وبإسهام الاقتراحات البناءة التي تقدمها المعارضة الوطنية الصادقة، مما مكن من بناء مغرب حداثي بمكانة محترمة في الساحة الدولية، لكن في نفس الوقت لاتزال بلادنا تواجه اشكالات لاسيما في المجال الاجتماعي وفي العدالة الترابية، حيث شدد الوزير على أن “هناك عدد من الأقاليم في حاجة للإنصاف على مستوى عائدات الثروة الوطنية وسياسات التنمية، في تحديات تساءلنا جميعا، وتظل تأثيراتها قائمة ومؤثرة على الكثير من الفئات الاجتماعية الهشة، وعلى العديد من شبابنا، وهي اختلالات تراكمت عبر سنوات، نقولها بكل صراحة وشجاعة، ونشتغل داخل الحكومة على معالجتها وجعلها أولى الأولويات، ومن ثم نرفض في نفس الوقت تضخيم معطياتها والركوب عليها لتسجيل مواقف سياسوية سطحية على الحكومة، في نقذ غير موضوعي لايخدم تطور بلادنا فحسب، بل يعطي هدايا مجانية لخصوم بلادنا بالخارج من أجل المس بسمعة وصورة بلادنا، والطعن في مصداقية تعهداتها الدولية وبرامجها التنموية و أوراشها الإصلاحية الاستراتيجية كما أن عملنا يبقى بعيدا عن الشعبوية ومنطق الإثارة.”
**التحديات الاقتصادية ودعم القدرة الشرائية**
وأشار بنسعيد إلى التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد، بما في ذلك ارتفاع الأسعار وتأثيره على الحياة اليومية للمواطنين. ودعا إلى تقييم الدعم الحكومي بشكل موضوعي لتحقيق الغايات الاجتماعية وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين. موضحا ذالك في كلمته، “نعرف جيدا داخل حزب الأصالة والمعاصرة بأن المرحلة القادمة تتطلب من الحكومة والمؤسسات المنتخبة التجند والتعاون البناء، والمزيد من الجدية الجماعية أثناء معالجة اختلالات هذا الورش الاجتماعي الثقيل جدا، لمعالجة ظاهرة بطالة الشباب، والتأخر الحاصل في بنية الخدمات الاجتماعية الأساسية بالمناطق النائية، ونحن على يقين تام من قدرة بلادنا على كسب هذا الرهان وتجاوز كل الصعاب.كما إن القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، تتصدر اهتماماتنا، بالنظر لما تعرفه الأسواق الوطنية من غلاء في عدد من المواد الأساسية خصوصا اللحوم، بشكل يؤثر على الحياة اليومية للمغاربة، رغم المجهود الذي قامت به الحكومة في مجال الدعم، غير أن هذا الدعم لم ينعكس بالشكل المطلوب على المواطنات والمواطنين. لذا نجدد دعوتنا لفرقاء الأغلبية إلى تقييم موضوعي لهذا الدعم بشكل يمكننا من تجاوز الاختلالات و تحقيق الغايات الاجتماعية وتحسين القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين.”
**التدبير الحكومي الناجح والتواصل الفعّال**
أكد الوزير على نجاح الحكومة في إدارة نصف الولاية الحالية رغم صعوبة المرحلة، مشيراً إلى ضرورة تحسين التواصل مع المواطنين لشرح ما قامت به وتقوم به الحكومة. وأكد على أهمية التواصل العمومي والإصلاحات الاستراتيجية في مواجهة التحديات. حيث أورد ذلك في كلمته، “نتفق جميعا على أن التدبير السياسي للحكومة خلال نصف الولاية الحالية كان ناجحا بكل المقاييس رغم صعوبة المرحلة و الإكراهات الداخلية والخارجية المتنوعة، ورغم ذلك واجهت الحكومة الأزمة الخارجية بشجاعة وفي نفس الوقت أقبلت على قرارات داخلية جد جريئة، لكن ربما هذا المجهود لم يصل بالشكل المطلوب للمواطنات والمواطنين مما يجعلنا أمام تحدي التواصل وتقويته خصوصا التواصل المباشر، لذلك نشتغل على تنظيم لقاءات جهوية مباشرة، لمزيد من التواصل وشرح ما قامت به وتقوم به الحكومة.”
وأضاف وزير الثقافة والشباب أن هذا التواصل العمومي والاشتغال على إصلاحات استراتيجية وحقيقية، وتسريع وثيرتها وتنزيلها على الميدان، والوقوف حاجزا أمام حاجز اللوبيات المستفيدة من الأوضاع الحالية والتي ترفض كل تغيير، وأن يتم ذلك بكل صدق في العمل والوضوح في الخطاب، سيكون ضمن أولوياتنا.
**بناء الحزب وتعزيز الديمقراطية الداخلية**
اختتم بنسعيد خطابه بالإشارة إلى الرهانات الحزبية الداخلية التي تتصدر أجندة حزب الأصالة والمعاصرة، بما في ذلك بناء هياكل الحزب على أسس ديمقراطية صلبة، وتفعيل السياسة الإصلاحية في إدارة الحزب، وإشادة بالتوافق الذي طبع تشكيل هياكل المجلس الوطني.
“نعقد هذه الدورة برهانات حزبية داخلية جد كبيرة، تتصدرها أوراش مواصلة بناء هياكل الحزب على أسس ديمقراطية صلبة، مع منح الفرصة للجميع، وإعمال مبدأ التداول على المسؤوليات والاحتكام للديمقراطية والشفافية، وعلى رأسها العمل في القريب على هيكلة مهام ولجان المكتب السياسي، وتأسيس منظمة فاعلة للشباب، وإخراج أكاديمية الحزب للوجود، خصوصا بعد النجاح الكبير الذي عرفته الجامعة الصيفية لشباب الأصالة والمعاصرة، في دورتها الأولى، وهي مناسبة لتهنئة من اشتغل لإخراج هذا المشروع، وساهم في النقاش العام والذي كان في مستوى عالي، يعكس مستوى شابات وشباب الحزب في النقاش العمومي، وهو نجاح لنا نفتخر به، لأن الحزب لديه جيل مقبل قادر على ممارسة السياسة ببلادنا، بأخلاق.”
**ميثاق الأخلاقيات والالتزام الجماعي**
أكد بنسعيد على أهمية ميثاق الأخلاقيات كميثاق ملزم للجميع داخل الحزب، مشيراً إلى أن الالتزام به يعتبر أساساً لكسب رهان حزب سياسي قوي.
وفي الختام، شدد وزير الشباب والثقافة على أن حزب الأصالة والمعاصرة يظل ملتزماً بتحقيق الإصلاحات والتقدم في مختلف المجالات، مؤكداً على قدرة البلاد على مواجهة التحديات وكسب الرهانات المستقبلية. كما أورد ذلك في خطابه، “علينا إعادة بناء جسور ومؤسسات التواصل مع المنتخبين بطرق أكثر فعالية، والعمل على فتح حوارات داخل الكثير من التنظيمات والمهن الموازية للحزب، ومواصلة تفعيل السياسة الإصلاحية في إدارة وإعلام الحزب، واستكمال المؤتمرات الجهوية والإقليمية المتبقية، وتنشيط جميع الأمانات المحلية وفق مقاربة موضوعية لقضايا القرب محليا، وغيرها من المجالات التنظيمية الداخلية للحزب. وبهذه المناسبة نشيد بالتوافق الذي طبع تشكيل الهياكل واللجان الموضوعاتية للمجلس الوطني، التي انخرطت بحق وبشكل مسؤول في رسم مقاربة لمختلف القضايا الراهنة، كما سنظل في القيادة الجماعية للحزب نؤمن بأن ميثاق الأخلاقيات باعتباره ميثاقا واقعيا ملزم للجميع، قيادة وقواعد حتى نستطيع كسب رهان حزب سياسي قوي.”
فاطمة الزهراء الجلاد