تراجع طفيف في أسعار الخدمات البنكية… هل يكفي لحماية المستهلك ؟

في خطوةٍ طال انتظارها من طرف المستهلكين المغاربة، أعلنت المؤسسات البنكية عن تراجع طفيف في أسعار الخدمات التي تقدمها. هذا التراجع الذي طال انتظاره، جاء بعد سنوات من الشكاوى المتكررة حول ارتفاع تكاليف الخدمات البنكية، والتي كانت تثقل كاهل المواطنين، خاصة ذوي الدخل المحدود.

وقد شهد مؤشر أسعار الخدمات البنكية (IPSB) في العام الماضي انخفاضاً طفيفاً بنسبة 1%، ليصل إلى مستوى 125.09 مقارنة بالعام 2022، وفقاً للتقرير السنوي الصادر عن بنك المغرب حول البنية التحتية للأسواق المالية ووسائل الأداء والشمول المالي. ورغم هذا الانخفاض، يستمر المؤشر في مساره التصاعدي منذ العام 2011، مدفوعاً بارتفاع أسعار بعض الخدمات البنكية الأساسية، مثل “الباقة”، و”عمولة تسيير الحساب”، و”البطاقة البنكية”.

هذا التباطئ أثار جدلاً واسعاً حول حقوق العملاء البنكيين ومدى التزام المؤسسات المالية بضمان الحماية الكافية لهم. ورغم تراجع أسعار بعض الخدمات، مثل عمولة تسيير الحساب بنسبة 8% وعمولة “الباقة” بنسبة 1%، إلا أن الزيادة في رسوم “البطاقة البنكية” بنسبة 3% شكلت عائقاً أمام تخفيف العبء عن المستهلكين.

وعلى الرغم من أن سلة الخدمات البنكية أظهرت استقراراً عاماً، إلا أن التحليل يشير إلى انخفاض في حصة عمولات تسيير الحساب لصالح الباقات والبطاقات البنكية. وتستمر هذه الخدمات في السيطرة على نحو 80% من سلة الخدمات منذ 2011، ما يعكس التركيز الكبير على بعض الخدمات الأساسية وتأثيرها على تكلفة التعامل البنكي.

وتسلط البيانات الضوء على ضعف الوعي البنكي لدى العديد من العملاء الذين قد لا يدركون حقوقهم والتزاماتهم. فبحسب وديع مديح، رئيس الجامعة الوطنية لحماية حقوق المستهلك، فإن الكثير من العملاء لا يعرفون تفاصيل عمولاتهم المستحقة ولا قيمة الخدمات البنكية المفروضة عليهم. وشدد على أهمية دور الوعي البنكي في تقليص حالات النزاع بين العملاء والبنوك.

لكن في ظل مساعي الشفافية، يلزم القانون البنوك بإخطار عملائها بأي تغييرات في رسوم الخدمات قبل 30 يوماً من تطبيقها، ما يمنح العملاء فرصة قبول أو رفض هذه التعديلات. وأكد مديح أن زيادة الوعي المصرفي بين المستهلكين يعد عاملاً ضرورياً للحفاظ على حقوق العملاء وتجنب الوقوع في النزاعات.

وعلى صعيد آخر، يعد هذا التحول الرقمي أحد الأدوات الحيوية لتعزيز الشفافية في القطاع المصرفي. فبفضل الحلول الرقمية، أصبحت للبنوك وسائل لعرض خدماتها وأسعارها بوضوح، مما يوفر للعملاء إمكانية مقارنة الأسعار واختيار الأنسب لاحتياجاتهم.

وكانت أحد المبادرات البارزة في هذا السياق هي منصة “Comparateur des tarifs bancaires” التي أطلقتها المجموعة المهنية لبنوك المغرب. وتتيح المنصة للمستخدمين مقارنة تكاليف الخدمات بين مختلف البنوك، مما يسهل اتخاذ القرارات المالية ويزيد من شفافية القطاع البنكي.

فيما أوضح المستشار المالي  أن هذه المنصة تعتبر خطوة مهمة لحماية المستهلكين، إذ تمكنهم من فهم العمولات المفروضة عليهم واختيار البنك الذي يناسب احتياجاتهم بأفضل سعر. ومع ذلك، يرى شهابي أن هذا التباطؤ الطفيف في الأسعار لا يكفي وحده لتحقيق تحول ملموس في السوق البنكية.

ويتضح أن تحسين الشفافية من خلال الرقمنة وتعزيز الوعي البنكي يعدان حجر الزاوية في تحقيق توازن عادل بين البنوك والعملاء، مع تشجيع المنافسة الصحية التي تدفع بالمؤسسات المالية إلى تقديم خدمات أفضل وبأسعار تنافسية.

وبالتالي يمكن القول إن التراجع الطفيف في أسعار الخدمات البنكية يمثل خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح، إلا أنه لا يكفي لحماية المستهلكين بشكل كامل. فلتحقيق هذا الهدف، يجب بذل المزيد من الجهود لتعزيز الوعي المالي لدى المستهلكين، وتطوير أدوات رقابة فعالة، وتعزيز الشفافية في القطاع البنكي. كما يجب على المؤسسات البنكية أن تتحمل مسؤوليتها في حماية حقوق زبائنها وتقديم خدمات ذات جودة عالية.

فاطمة الزهراء الجلاد.