بقلم: الإعلامي والسيناريست “أحمد بوعروة”
بعض الرحلات تكون عادية، مجرد تنقل من نقطة إلى أخرى، لكن هناك رحلات تتحول إلى محطات فارقة، لحظات تفتح أمامك أبوابًا لم تكن تتوقعها. هكذا كانت رحلتي إلى طنجة، على متن القطار السريع “البراق”، التي بدأت كرحلة عادية لكنها انتهت بحكايات لا تُنسى.
كنت متجهًا إلى طنجة للمشاركة في برنامج “مملكة الإبداع”، الذي يُعدّه الزميلان المبدعان حسام الدين نصر والدكتور أحمد الدافري. حجزت في الدرجة الأولى، العربة الثانية، مستعدًا لقضاء وقت هادئ بين القراءة والتفكير. لكن القدر كان يُخبئ لي شيئًا مختلفًا تمامًا.
وجوه غير مألوفة
مع توقف القطار في محطة الرباط، صعدت مجموعة من الوجوه التي بدت مميزة من أول نظرة. رجلٌ وقور طلب الإذن بالجلوس بجانبي، فرحبت به بأدب. لم تمضِ دقائق حتى أدركت أنني برفقة وفد عراقي رفيع المستوى.
كان المستشار “قاسم الأعرجي”، مستشار الأمن القومي العراقي، هو من يقود هذا الوفد، وبرفقته الدكتور “بوتان دزه يي”، القائم بأعمال السفارة العراقية في المغرب، والسيد “علي ناصر بنيان البيجاوي”، مدير مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية، والأستاذ “سعيد الجياشي”مستشار الشؤون الستراتيجية في مستشارية الأمن القومي العراقي.
حديث السياسة والثقافة
ما إن تحرك القطار حتى بدأنا حديثًا عفويًا. تحدثنا عن العلاقات المغربية العراقية، عن التاريخ المشترك، وعن حب الشعبين لبعضهما. السيد علي، الذي كان يجلس بجانبي، أبدى إعجابه بالتطور الذي يشهده المغرب، بينما أكد لي المستشار قاسم أن الحوار والعمل الدبلوماسي هما الحل لكل الخلافات.
كان النقاش ممتعًا ومليئًا بالدفء. انتقلنا سريعًا من السياسة إلى الثقافة، واستحضرنا معًا الشاعر الكبير أحمد أبو الطيب المتنبي. حدثوني عن شارع باسمه في بغداد، وكيف أنه رمز خالد للفخر والإبداع العربي.
الفن والإبداع كجسر للتواصل
مع الحديث عن المتنبي، وجدنا أنفسنا نناقش الفن والإبداع. شاركتهم رؤيتي كاعلامي كمسرحي وسيناريست عن دور الفن في بناء جسور بين الشعوب. كانوا متحمسين لاكتشاف طنجة وبقية المدن المغربية، وأكدوا أن العراق دائمًا مفتوح على الفنون والإبداع.
لحظات للذكرى
قبل أن تصل رحلتنا إلى طنجة، كان لا بد من توثيق هذه اللحظات. التقطنا صورًا للذكرى، واتفقنا أن أنشر بعضها ضمن ركني الأسبوعي “وجوه وحكايات” على صفحات “الأحداث المغربية”. لم يكن مجرد لقاء عابر، بل حوارًا ترك أثرًا في نفسي.
ما بعد الرحلة
لاحقًا، علمت أن الوفد العراقي التقى وزير الخارجية المغربي، معبرًا عن دعم العراق لوحدة المغرب وعن رغبته في تعزيز العلاقات بين البلدين. كما زار الوفد ضريح الملك محمد الخامس، حيث قرأوا الفاتحة على روحه.
دعوة إلى بغداد
مع اقتراب القطار من طنجة، دعاني السيد علي لزيارة بغداد. تحدثت معهم عن المجلات العراقية التي أثرت في جيلي في السبعينيات، وكيف كان العراق مصدر إلهام ثقافي. دعوة بغداد كانت بمثابة وعد بلقاء آخر، حكاية جديدة قد تُكتب قريبًا.
أكثر من مجرد رحلة
كانت هذه الرحلة بالنسبة لي أكثر من مجرد تنقل من مدينة إلى أخرى. كانت لقاءً إنسانيًا، وحوارًا ثقافيًا، وتجربة تؤكد أن الإبداع يمكن أن يكون جسرًا حقيقيًا بين الشعوب.
الآن، وأنا أستعيد تفاصيل هذه الرحلة، أدرك أن الحياة تمنحنا أحيانًا لحظات نادرة، لحظات تصنع الفارق، تمامًا كما صنعت هذه الرحلة.