في تحليل مفصل حول الأوضاع السياسية الراهنة، يقدم المحلل السياسي عبد الصمد بلكبير رؤية شاملة لعوامل التوتر في منطقة الساحل والصحراء، مستعرضا تأثيرات القوى الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية على مسارات الأزمات في المنطقة. إذ يرى بلكبير أن الأوضاع السياسية في العالم أصبحت معقدة بشكل غير مسبوق، حيث لا تقتصر التناقضات على منطقة الساحل والصحراء فحسب، بل تشمل العالم أجمع، مما يجعل فهم هذه الأوضاع ليس بالأمر السهل. ورغم تعقيدها الظاهر، فإن المخبر الداخلي للأحداث بسيط وقابل للفهم عند تحليل الصراعات على المستوى القطري والإقليمي والعالمي.
الولايات المتحدة الأمريكية: قوة عالمية مركزية
يبدأ بلكبير بتحليل الدور المركزي للولايات المتحدة في السياسة العالمية. وبحسبه، فإن الولايات المتحدة هي سيدة العالم الراهن، خاصة بعد انهيار الجدار بين الألمانيتين. وتعد التناقضات الداخلية الأمريكية بين المجمع الصناعي العسكري والمجمع الصناعي المدني من أبرز العوامل التي تحكم السياسة الأمريكية. في هذا السياق، يشير بلكبير إلى أن الولايات المتحدة كانت تعتمد في السابق على الحروب والتدخلات السياسية كوسيلة للخروج من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، لكن اليوم تغيرت هذه الاستراتيجية بشكل لافت، بعد أن باتت تدرك عواقب الحروب على الداخل الأمريكي.
استراتيجيات الحرب والصراع في الساحل والصحراء
بحسب المحلل السياسي، فإن الصراع في منطقة الساحل والصحراء ليس مجرد صراع محلي أو إقليمي، بل هو جزء من استراتيجية أمريكية أوسع تهدف إلى تحقيق مصالح جيوسياسية في المنطقة. الولايات المتحدة، ومن خلال عملائها المحليين مثل الجزائر، قامت بتأجيج النزاع في الصحراء الغربية وخلقت كيانات مصطنعة مثل “البوليساريو”، بهدف إضعاف استقرار المنطقة ومنع تنميتها.
ويشدد بلكبير على أن دور الولايات المتحدة في هذا السياق لم يكن مجرد تحريض، بل كان تدبيرا متقنا لصراع طويل الأمد يعوق تحقيق الوحدة والاستقرار في شمال وغرب إفريقيا. وهو ما يراه بلكبير تمويها لمصالح أمريكا، حيث توهم الأطراف المتصارعة بأنها تحصل على دعم، بينما هي في الواقع تمارس لعبة استراتيجية مزدوجة.
المواقف الأمريكية في المغرب والجزائر
وفي تناوله للعلاقات بين المغرب والولايات المتحدة، يشير بلكبير إلى التحول الكبير الذي حدث بعد وصول دونالد ترامب إلى السلطة، حيث قام بتعديل موقف أمريكا في قضية الصحراء الغربية، دعما للموقف المغربي. هذا التغير في السياسة الأمريكية يعده بلكبير انقلابا استراتيجيا لصالح المغرب، الذي أصبح يشكل محوريا في السياسة الأمريكية في منطقة الساحل والصحراء، وبذلك استفادت الولايات المتحدة من هذا التحالف لإعادة ترتيب توازنات القوى في المنطقة.
أما في الجزائر، فيعتقد بلكبير أن القيادة العسكرية الحالية، بقيادة شنقريحة، قد أخطأت في خياراتها الاستراتيجية، حيث انحازت إلى المجمع الصناعي العسكري الأمريكي الذي يبحث عن أسواق للحروب والأسلحة. هذه الانحيازات، بحسب بلكبير، تساهم في تأجيج الصراعات الداخلية في الجزائر، وتؤثر سلبا على استقرار المنطقة.
الدين كأداة سياسية
ويضيف بلكبير أن ما يزيد تعقيد الوضع في المنطقة هو توظيف الدين كأداة سياسية. ويستشهد بكون هذا التوظيف ليس لمصلحة الشعوب أو تحقيق مقاصد الدين الأصلية، بل لتحقيق مصالح سياسية ضيقة. ويشير بلكبير إلى أن هذا التوظيف السلبي للدين يؤدي إلى تحويله من أداة للتوجيه الروحي إلى أداة للهيمنة السياسية. وهو ما يزيد من تعقيد الأوضاع في المنطقة ويدخلها في دوامة من الصراعات الفكرية والدينية التي تؤثر سلبا على استقرارها.
يختتم عبد الصمد بلكبير تحليله بالتأكيد على أن ما يحدث في منطقة الساحل والصحراء هو نتاج لصراع أمريكي داخلي، بين المجمعين الصناعيين العسكري والمدني، وهو صراع يستنزف المنطقة عبر الحروب والفتن. ويؤكد أن الحلول الوحيدة الممكنة تتمثل في إقامة استراتيجيات تعاون وتكامل اقتصادي بين دول المنطقة، بعيدا عن التدخلات الخارجية التي تسعى إلى تأجيج النزاع.
فاطمة الزهراء الجلاد.