تعزيز الترسانة القانونية المغربية: بين العقوبات البديلة وتنظيم الإضراب وتطوير المؤسسات السجنية

شهدت المملكة المغربية خلال عام 2024 تحولات قانونية بارزة تمثلت في إقرار ثلاثة مشاريع قوانين مهمة تهدف إلى تعزيز حقوق الإنسان وتطوير الإطار التشريعي. شملت هذه المشاريع قانونا جديدا للمؤسسات السجنية، وقانونا ينظم العقوبات البديلة، بالإضافة إلى مشروع قانون تنظيمي للإضراب. تعكس هذه القوانين التزام المملكة بتنزيل مقتضيات دستور 2011، الذي يضع حقوق الإنسان في صلب المشروع المجتمعي.
تنظيم الإضراب: خطوة إلى الأمام أم جدل مستمر؟
في أواخر عام 2024، صادق مجلس النواب بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي للإضراب، في جلسة أثارت انتباه الرأي العام بسبب غياب 250 نائبا من أصل 395. القانون، الذي طال انتظاره منذ أن طرحته حكومة عبد الإله ابن كيران عام 2015، مر بمراحل طويلة من النقاش والتعديلات.
شهد المشروع تعديلات جوهرية، أبرزها حذف العقوبات الجنائية والسجنية بحق الداعين للإضراب، ومنع المشغلين من اتخاذ إجراءات تعسفية ضد المضربين. كما أعطي حق الدعوة للإضراب للنقابات التي تمتلك تمثيلا مهنيا، بدلا من حصره بالنقابات الأكثر تمثيلا. ورغم هذه التعديلات، يستمر الجدل حول المشروع، حيث يعارضه حقوقيون ونقابيون بدعوى تقييده لحقوق الإضراب.
إصلاح المؤسسات السجنية: نحو تعزيز حقوق الإنسان
عام 2024 تميز أيضا بإقرار مشروع قانون جديد لتنظيم وتدبير المؤسسات السجنية، حيث صادق عليه البرلمان في يونيو. القانون الجديد جاء استجابة لتوجيهات جلالة الملك محمد السادس، الذي دعا إلى تحسين أوضاع السجناء وضمان حقوقهم الأساسية وفقا للفصل 23 من الدستور.
يتضمن القانون إجراءات لتعزيز البعد الإنساني في السجون، منها تحسين ظروف الاعتقال، وتوفير برامج تعليمية وتكوينية تساعد على إعادة الإدماج الاجتماعي. كما يضمن حقوقا أساسية للسجناء، مثل الحق في التواصل مع المحامين، والرعاية الصحية، ومتابعة التعليم والتكوين المهني.
العقوبات البديلة: حل لأزمة الاكتظاظ في السجون
دخل قانون العقوبات البديلة حيز التنفيذ في غشت 2024، لكن الحكومة لم تبدأ بتفعيله بشكل عملي حتى الآن. القانون يهدف إلى تخفيف الضغط على السجون، حيث بلغ عدد السجناء 105 آلاف، وفقا لتصريحات المندوب العام لإدارة السجون.
يتضمن القانون خيارات جديدة مثل العمل لأجل المنفعة العامة، والمراقبة الإلكترونية، وفرض تدابير علاجية أو رقابية. وأعلنت الحكومة أنها ستبدأ تفعيل القانون خلال الأشهر الخمسة المقبلة، بعد الانتهاء من إعداد المراسيم التنظيمية اللازمة.
تحديات التنفيذ والتفاعل المجتمعي
رغم أهمية هذه القوانين في تعزيز حقوق الإنسان وإصلاح النظام القانوني، إلا أن تنفيذها يواجه تحديات عدة. من بين أبرزها توفير الموارد البشرية والبنية التحتية اللازمة لتفعيل قانون العقوبات البديلة، ومواجهة المعارضة التي لا تزال تقف في وجه مشروع قانون الإضراب.
تعكس هذه القوانين رؤية المملكة لتعزيز الديمقراطية وحماية الحقوق الأساسية، لكنها أيضا تفتح نقاشا واسعا حول آليات التطبيق وتوازن المصالح بين الأطراف المختلفة. يظل نجاح هذه الإصلاحات مرهونا بإرادة سياسية قوية وتعاون مجتمعي يعكس تطلعات الشعب المغربي نحو مستقبل أكثر عدالة وإنسانية.
فاطمة الزهراء الجلاد.