رغم ترؤس الجزائر لمجلس الأمن الدولي، لاحظ المراقبون غياب ملف النزاع حول الصحراء المغربية عن جدول أعمال المجلس لهذا الشهر. هذا الغياب يثير تساؤلات حول أولويات الجزائر الدبلوماسية، ومدى قدرتها على استغلال موقعها في تعزيز أجندتها الإقليمية.
التوازنات الدولية وغياب ملف الصحراء
أوضح المحلل السياسي شادي البراق عبد السلام في تصريح لموقع le 7 TV، أن غياب ملف الصحراء عن أجندة مجلس الأمن ليس بالضرورة قرارا جزائريا بحتا، وإنما يخضع لآليات دقيقة لتحديد بنود برنامج العمل الشهري للمجلس. يتم ذلك عبر مسودة تعدها الدولة التي تتولى الرئاسة بالتشاور مع الأعضاء والأمانة العامة للأمم المتحدة. ومع ذلك، فإن أي محاولة لإدراج قضايا مثيرة للجدل، مثل ملف الصحراء، تواجه تحديات من قوى دولية كبرى، تمتلك حق النقض (الفيتو)، أو تتطلب توافقا يصعب تحقيقه.
وأشار البراق إلى أن الجزائر حاولت مرارا تسليط الضوء على هذا الملف في سياقات دبلوماسية متعددة، لكنها لم تحقق تقدما يذكر بسبب ما وصفه بـ”الإخفاقات البنيوية في السياسة الخارجية الجزائرية”. وأضاف أن دعم الجزائر لميليشيا البوليساريو يعتبر أحد العوامل الرئيسية التي تسهم في تأزيم الوضع الإقليمي، حيث تربط هذه الميليشيات بعلاقات مع جماعات متطرفة تنشط في منطقة الساحل.
دلالات التركيز على القضية الفلسطينية
في المقابل، ركزت الجزائر خلال فترة رئاستها على القضية الفلسطينية، في محاولة لإعادة تقديم مشروع قرار الاعتراف بدولة فلسطين كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة. ورغم أهمية هذا الملف، يرى المحلل السياسي، أن الجزائر تستخدمه كوسيلة لتعزيز صورتها كداعم للقضايا العربية والإسلامية، مع محاولة تصدير دورها كفاعل إقليمي مؤثر. ومع ذلك، يظل هذا التوجه محاطا بتساؤلات حول مدى قدرة الجزائر على تحقيق تقدم فعلي في هذا الملف، خاصة في ظل مواقف دولية معارضة، أبرزها الولايات المتحدة.
التحديات الإقليمية والدولية
ويرى الخبير السياسي، أن غياب ملف الصحراء عن جدول أعمال المجلس يعكس رغبة الجزائر في تجنب إثارة توترات إضافية مع المغرب، لا سيما في ظل الوضع الجيوسياسي المتأزم في منطقة شمال وغرب إفريقيا. ومع تصاعد التحديات الأمنية، مثل الإرهاب والهجرة والجريمة العابرة للحدود، تبدو الجزائر عاجزة عن تقديم حلول عملية أو مبادرات تسهم في تهدئة الأوضاع.
وعلى الصعيد الدولي، تعاني الجزائر من عزلة دبلوماسية متزايدة، ما يجعلها غير قادرة على تحقيق اختراقات تذكر في القضايا التي تدعمها. ويرجع ذلك إلى ما وصفه البراق بـ”الارتباك في الجهاز الدبلوماسي الجزائري”، الناتج عن تدخل مؤسسات مثل الجيش والمخابرات في صياغة السياسات الخارجية.
ويبقى السؤال الأهم: هل يمكن للجزائر أن تستثمر رئاستها لمجلس الأمن لتقديم رؤية جديدة تخدم الاستقرار الإقليمي والدولي؟ الإجابة حتى الآن تشير إلى صعوبات كبيرة تواجهها الجزائر في هذا الصدد، خاصة مع استمرار اعتمادها على مقاربات وصفها المحلل السياسي بأنها “جامدة” وتفتقر إلى رؤية استراتيجية متماسكة.
في الختام، يظهر غياب ملف الصحراء المغربية عن أجندة مجلس الأمن خلال الرئاسة الجزائرية تعقيدات المشهد السياسي والدبلوماسي الإقليمي، في وقت تحاول فيه الجزائر تسليط الضوء على قضايا أخرى لتعزيز نفوذها. ومع ذلك، فإن استمرار التحديات الداخلية والخارجية قد يجعل هذه الجهود محصورة في إطار الخطابات دون تحقيق تأثير فعلي على الأرض.
فاطمة الزهراء الجلاد.