حينما يُشهر وزير الداخلية الفرنسي سلاح الاستقالة في وجه النظام الجزائري

في لعبة شد الحبل بين باريس والجزائر، يبدو أن وزير الداخلية الفرنسي، برونو ريتايو، قرر أن يمسك بالطرف الأكثر خشونة. الرجل لم يكتفِ بالتصعيد اللفظي، بل لوّح بسلاح ثقيل في المعارك السياسية: الاستقالة. موقف غير معتاد من مسؤول حكومي، لكنه يعكس إلى أي مدى وصلت الأزمة بين البلدين، وسط رفض جزائري عنيد لاستقبال مواطنيها غير الشرعيين المطرودين من فرنسا.

المفارقة أن الأزمة ليست وليدة اللحظة، بل هي تراكم سنوات من التردد الفرنسي أمام نظام عوّد الجميع على الابتزاز والمناورة. لكن هذه المرة، المعادلة مختلفة. منذ اعتراف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بسيادة المغرب على صحرائه، دخلت العلاقات الفرنسية-الجزائرية مرحلة الجليد، حيث بات النظام الجزائري يتصرف بردود فعل متشنجة، متوهماً أنه لا يزال يملك أوراق ضغط حقيقية.

لكن باريس، التي ضاقت ذرعاً، قررت أن تنتقل إلى “الخطة ب”. لم يعد الحديث عن مفاوضات ناعمة أو دبلوماسية تقليدية، بل عن “رد تصعيدي متدرج”، كما وصفه وزير الداخلية الفرنسي نفسه. بداية هذا الرد كانت بإعداد قائمة تضم نحو 60 جزائرياً سيتم ترحيلهم قسراً، مع تهديدات صريحة بإعادة النظر في اتفاقيات 1968، التي لطالما منحت الجزائريين امتيازات استثنائية في فرنسا.

المثير أن هذا التصعيد لم يأتِ من فراغ. الحادثة التي أشعلت النار تعود إلى 22 فبراير الماضي، عندما نفّذ أحد هؤلاء المطرودين هجوماً إرهابياً في مولوز، أودى بحياة شخص. حادثة جعلت المزاج السياسي الفرنسي أقل تسامحاً مع المراوغات الجزائرية، ووضعت الرئيس ماكرون في موقف حرج بين رغبة حكومته في التشدد، وسياسته التقليدية القائمة على التهدئة.

لكن بينما يحاول ماكرون لعب دور “المهدئ”، يأتي برونو ريتايو ليكسر القاعدة. الرجل واضح في رسالته: “إما أن نكون حازمين مع الجزائر، أو أنني أترك المنصب.” ليس مجرد تهديد عابر، بل رسالة قوية تعكس أن هناك اتجاهاً جديداً داخل السلطة الفرنسية يرى أن التعامل مع النظام الجزائري يجب أن يكون بمنطق القوة لا المجاملة.

وفيما يحاول الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون استجداء عودة الحوار، يبدو أن باريس قررت أن تكف عن اللعب في المساحات الرمادية. السؤال الأهم الآن: هل تستوعب الجزائر أن زمن المهادنة قد انتهى؟ أم أنها ستواصل أسلوبها المعتاد، حتى تجد نفسها أمام قرارات فرنسية لا رجعة فيها؟