المغرب يقود ثورة الطب الدقيق في إفريقيا .. شيفرات الحياة تكتب من جديد

لم يعد المستقبل مجرد فكرة عائمة بين المختبرات الكبرى ومراكز الأبحاث المغلقة، بل أصبح واقعًا يُعاد تشكيله اليوم من قلب المغرب، حيث التحالف بين Genomia MDATA الكندية ومؤسسة محمد السادس للعلوم والصحة يفتح الباب أمام عهد جديد من الطب الدقيق في إفريقيا، حيث لا يتم علاج المرض فقط، بل يتم توقيفه قبل أن يبدأ.

هذه ليست مجرد شراكة علمية، بل إعلان عن مرحلة جديدة تقود فيها القارة الإفريقية دفة الابتكار في علم الجينوم والذكاء الاصطناعي الطبي. من خلال بنك بيولوجي إفريقي متطور، سيتم فك شيفرات الأمراض المستعصية ورسم خريطة جينية دقيقة تُمكن الأطباء من استباق المرض قبل ظهوره، وتقديم علاجات مصممة وفقًا للحمض النووي لكل مريض، مما يُلغي فكرة “علاج واحد للجميع”.

في مختبرات الطب التقليدي، يتم اختبار دواء جديد على الآلاف قبل اعتماده، لكن ماذا لو كان بإمكان الذكاء الاصطناعي التنبؤ بفعالية الدواء على كل مريض قبل تجربته فعليًا؟ هذا بالضبط ما تهدف إليه المنصة الصيدلانية الجينومية الجديدة، التي ستُمكّن العلماء من تطوير أدوية تتلاءم مع الطفرات الجينية الإفريقية، بدلًا من الاعتماد على تركيبات دوائية صُممت بناءً على دراسات أوروبية أو أمريكية.

البعد الاقتصادي لهذا التحالف لا يقل أهمية، إذ إنه يمنح إفريقيا سيادة صحية غير مسبوقة، تُحررها من استيراد الأدوية باهظة الثمن، وتفتح الأبواب أمام صناعة دوائية متطورة داخل القارة، تكون موجهة أولًا وقبل كل شيء لأبنائها، وفقًا لاحتياجاتهم الجينية والطبية الفعلية.

ليس هذا مجرد مشروع، بل ثورة في صناعة الطب الحيوي، حيث لم تعد إفريقيا مختبرًا لتجارب الآخرين، بل أصبحت مركزًا لصناعة المعرفة الطبية. المغرب، الذي أصبح اليوم قلب هذا التحول، يُعيد رسم مستقبل الرعاية الصحية، ليجعل القارة السمراء رائدةً في الطب الدقيق بدلًا من أن تكون مجرد مستهلكة له.