في الواقع، فكرة أن الحواجز الجمركية ستعيد الصناعة إلى الداخل الأمريكي هي قراءة قاصرة للديناميات الاقتصادية الحديثة. الاقتصاد اليوم يقوم على سلاسل التوريد العالمية، حيث تدخل مكونات المنتج الواحد من عدة دول قبل أن يصل إلى المستهلك. فرض ضرائب إضافية على الواردات قد يدفع بعض الشركات الأمريكية إلى البحث عن بدائل محلية، لكنه في الوقت نفسه سيرفع تكاليف الإنتاج، مما ينعكس مباشرة على الأسعار، ويدفع المستهلك الأمريكي ثمن هذه السياسات قبل غيره.
أما على المستوى الدولي، فإن الردود الانتقامية لن تتأخر. الصين والاتحاد الأوروبي، وحتى شركاء الولايات المتحدة التقليديون، لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام إجراءات تمس بصناعاتهم واقتصاداتهم. التجربة السابقة في عهد ترامب أظهرت أن الحروب التجارية لا تُربح بسهولة، بل غالبًا ما تكون لها تداعيات غير محسوبة. إذا اندلعت هذه المواجهة من جديد، فقد نشهد تراجعًا في معدلات النمو العالمية، واضطرابات في الأسواق المالية، وربما دخول الاقتصاد الأمريكي نفسه في حالة ركود.
السياسة هنا لا تنفصل عن الاقتصاد. ترامب، المعروف بقدرته على تسويق مواقفه الشعبوية، يعلم أن خطاب التصعيد التجاري يجد صدى لدى قاعدته الانتخابية، التي تؤمن بأن الولايات المتحدة تتعرض للاستغلال من قبل شركائها التجاريين. لكن المشكلة تكمن في أن هذه المقاربة تتجاهل حقيقة أن الاقتصاد ليس ميدان حرب، بل شبكة معقدة من المصالح المتبادلة. وإذا كانت الحمائية توفر مكاسب سياسية قصيرة الأمد، فإن آثارها السلبية قد تمتد لسنوات، مهددة الوظائف والاستثمارات الأمريكية قبل غيرها.
في المغرب ودول أخرى ذات اقتصادات منفتحة، فإن أي اضطراب في التجارة العالمية ستكون له انعكاسات مباشرة. ارتفاع الأسعار العالمية، اضطراب سلاسل التوريد، وتراجع الطلب على الصادرات كلها عوامل قد تفرض تحديات إضافية على الاقتصادات الناشئة. إذا استمر التصعيد، فقد نشهد تحولًا في خريطة التجارة الدولية، حيث تسعى الدول إلى تنويع شركائها لتقليل الاعتماد على الأسواق الأمريكية، وهو ما قد يضر بالمصالح الاقتصادية للولايات المتحدة نفسها على المدى البعيد.
ما يحدث اليوم ليس مجرد إجراء اقتصادي، بل هو اختبار حقيقي لما إذا كان العالم قد تعلم من أخطاء الماضي. السياسات الحمائية لم تكن يومًا الحل لأزمات الاقتصاد، بل على العكس، غالبًا ما قادت إلى دورات من الأزمات والركود. ترامب قد يكون مقتنعًا بأنه يدافع عن الاقتصاد الأمريكي، لكنه في الواقع يضعه في مواجهة غير متكافئة مع منطق العولمة الذي لم يعد بالإمكان الرجوع عنه.