في لحظة تعكس عمق الروابط التاريخية واستشراف المستقبل المشترك، احتضنت العاصمة الرباط، يوم الإثنين، ندوة دولية متميزة احتفاءً بالذكرى الستين لتوقيع اتفاقية الإقامة بين المغرب والسنغال. المناسبة تحولت إلى منصة استراتيجية لإعادة التفكير في آفاق التعاون الاقتصادي بين البلدين، وسط تحولات إقليمية ودولية متسارعة.
اللقاء الذي نُظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس وفخامة الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي، وبمبادرة من معهد تمبكتو للدراسات الإفريقية للسلام، وبشراكة مع جامعة الرباط الدولية وصندوق الإيداع والتدبير، لم يكن مجرد احتفاء رمزي، بل جسّد نقلة نوعية في مسار العلاقات المغربية السنغالية التي انطلقت منذ عقود، وتُعد اليوم نموذجاً ناجحاً للتعاون جنوب-جنوب.
الخبراء والفاعلون الاقتصاديون الذين شاركوا في هذا الحدث، شددوا على ضرورة الانتقال من الاتفاقيات الورقية إلى مشاريع ميدانية ملموسة، قادرة على تحويل التكامل الاقتصادي إلى رافعة فعلية للسيادة الإفريقية. في هذا السياق، أبرز شايخ أحمد تيجان سي، رئيس مركز التفكير GUESS، أهمية تبني منطق “التكامل الذكي” بين البلدين، من خلال استثمار نقاط القوة في قطاعات مثل الطيران، المعادن، النقل والطاقة، لمواجهة التحديات المشتركة وتعزيز القدرة التفاوضية للقارة.
من جهته، أكد عبد الله ديوب، رئيس فدرالية الجمعيات الإفريقية جنوب الصحراء بالمغرب، أن العلاقات بين البلدين متجذرة في التاريخ، لكنها عرفت تسارعاً ملحوظاً منذ ثمانينيات القرن الماضي، بفضل دخول فاعلين اقتصاديين مغاربة كبار مثل مجموعة OCP، مجموعة سهام، البنك الشعبي وBMCE، وهو ما ساهم في توسيع رقعة التعاون وتوفير فرص الشغل، خاصة بفضل مساهمة الجالية السنغالية في المغرب التي تضم أزيد من 300 مقاول شاب.
ديوب لم ينس الإشادة بالدور الإداري النوعي الذي لعبه مسؤولون مغاربة مثل الوالي السابق للدار البيضاء خالد سفير، الذي ساهم في إدماج المهاجرين السنغاليين اجتماعياً واقتصادياً، عبر برامج طموحة شملت تسوية أوضاع آلاف النساء، وتشجيع روح المقاولة، وإنجاز مشاريع إسكان مشترك.
أما كينزة خليل، الكاتبة العامة للوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات، فقد أكدت أن المغرب يضع إفريقيا في صلب أولوياته الاستراتيجية، مبرزة أن العلاقات مع السنغال انتقلت من تبادل تجاري لا يتعدى 36 مليون دولار سنة 2004 إلى أزيد من 336 مليون دولار سنة 2023، بفضل ترسانة قانونية واتفاقيات متعددة تسعى لتكريس شراكة رابح-رابح.
الرسالة التي خرج بها المشاركون كانت واضحة: المغرب والسنغال يتقدمان بثبات نحو بناء نموذج إفريقي جديد قائم على الثقة، التكامل، وتنمية رأس المال البشري. فالمستقبل الإفريقي لن يُبنى إلا بأيدي الأفارقة أنفسهم، والمغرب والسنغال يقودان القاطرة بثقة وثبات نحو غدٍ تنموي مشترك.