الجزائر تخسر رهانا استراتيجيا لطالما تباهت به أمام العالم وأمام الداخل، حلم أنابيب الغاز العابر للصحراء الكبرى، الرابط بين نيجيريا وسواحل المتوسط عبر النيجر، سقط أخيرا سقوطا مدويا. المشروع الذي غذى لسنوات وهم الهيمنة الطاقية للجنرالات تحوّل رسميا إلى جثة سياسية، بعد القطيعة غير المسبوقة بين الجزائر وتحالف دول الساحل الثلاث: مالي، النيجر وبوركينا فاسو.
في خطوة اعتُبرت صفعة دبلوماسية قوية، سحبت دول تحالف الساحل سفراءها من الجزائر، ردًا على ما وصفته بـ”العدوانية الجزائرية”، إثر حادثة إسقاط طائرة مسيّرة مالية، وإغلاق الجزائر مجالها الجوي أمام الطيران المالي. الرد جاء سريعًا وحاسمًا: الدول الثلاث منعت مرور الطيران الجزائري في أجوائها، وأغلقت الأبواب أمام أي تعاون مستقبلي، سواء سياسي أو اقتصادي.
هذه القطيعة لم تكن مجرد أزمة عابرة، بل كانت المسمار الأخير في نعش مشروع “الغاز العابر للصحراء”، الذي لا يمكن أن يرى النور دون المرور عبر النيجر، الدولة المحورية في المعادلة الجغرافية للمشروع. بدونها، يتحوّل الخط إلى سراب وسط رمال الصحراء الكبرى.
في المقابل، تتزايد الاعتداءات المسلحة والتفجيرات ضد البنى التحتية في منطقة الساحل، كان آخرها تفجير خط أنابيب نيجيريا-بنين، في منطقة دوسّو، في مارس الماضي، ما يسلط الضوء على هشاشة الوضع الأمني الذي يهدد كل استثمار استراتيجي. فكيف لدولة تعجز عن تأمين حدودها الشرقية والجنوبية، أن تضمن أمن خط غاز يمتد لأزيد من 4000 كيلومتر، يعبر أراضٍ تعج بجماعات مسلحة من داعش والقاعدة؟
بينما يغرق النظام الجزائري في فوضى داخلية وخارجية، يواصل المغرب بناء مشروعه الغازي العملاق، “الأنبوب الأطلسي”، بشراكات إفريقية وأوروبية قوية، ودعم مالي وتقني من هيئات دولية كبرى كالاتحاد الأوروبي والبنك الدولي. المشروع المغربي يُقدم كخيار عقلاني وآمن، يمر من دول مستقرة سياسيا، في انسجام مع رؤية تنموية وتكاملية عابرة للحدود.
الهوة تتسع بين من يبني المستقبل، ومن لا يزال عالقًا في متاهات الأوهام. فالمغرب يتقدّم بخطى واثقة نحو لعب دور محوري في تأمين حاجيات أوروبا الطاقية، في حين تنكفئ الجزائر على ذاتها، معزولة، عاجزة عن فرض نفسها حتى على أقرب جيرانها.
ما تبقى من مشروع الغاز الجزائري ليس سوى وثائق أرشيفية وتصريحات رسمية جوفاء، تقف شاهدة على حقبة من الدبلوماسية الفارغة والاستراتيجيات الفاشلة. لقد احترق الحلم… وبات النظام الجزائري يطارد رماد غاز لن يصل أبدًا.