وقد عرف حفل الافتتاح، الذي أقيم بالقصر الكبير في العاصمة الفرنسية، حضور وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد مهدي بنسعيد، إلى جانب وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي، وثلة من الشخصيات البارزة من عالم الثقافة والفكر والسياسة، في مشهد كرّس رمزية الثقافة كجسر متين للعلاقات الثنائية.
في كلمته الافتتاحية، عبّر الوزير بنسعيد عن اعتزازه الكبير بهذا التكريم، مبرزًا عمق الصداقة التي تجمع بين المغرب وفرنسا، والتي وصفها بأنها “متجددة باستمرار، متجذرة في التاريخ، ومبنية على مشاعر فتية قائمة على الذكريات واللغات والسرديات المشتركة”. واعتبر أن الفرنكوفونية، بما تحمله من تنوع ثقافي، تشكل أرضية خصبة للحوار والإبداع المشترك بين الشعوب.
المهرجان، المنظم هذه السنة تحت شعار “البحر”، شكّل فرصة رمزية للاحتفاء بالقواسم الجغرافية والثقافية التي تجمع بين المغرب وفرنسا، من ضفاف المتوسط إلى آفاق الأطلسي، حيث يتحول البحر من مجرد مساحة جغرافية إلى مَعبر ثقافي ينسج حكايات الذاكرة والمستقبل.
الوزير بنسعيد شدد في كلمته على الدور المركزي للثقافة في المشروع التنموي المغربي، الذي يقوده جلالة الملك محمد السادس، مؤكدا أن “الثقافة هي مفتاح النهضة، وهي ما يصنع الحضارات، أكثر من الموارد أو رؤوس الأموال”. وأشار إلى أن الصناعات الثقافية والإبداعية – من الكتاب إلى السينما، ومن المسرح إلى الموسيقى – هي اليوم من أبرز روافد التنمية البشرية والمعنوية، خاصة في عصر يتسيد فيه الذكاء الاصطناعي.
من جهتها، رحّبت الوزيرة الفرنسية رشيدة داتي بالمغرب كـ”بلد عزيز” و”شريك ثقافي وتاريخي مميز”، مؤكدة أن استضافة المملكة كضيف شرف “تعكس طموحا متجددا” لمهرجان باريس للكتاب، الذي يسعى للتحول إلى مهرجان شامل للكتاب، يجمع بين المهنيين والجمهور الواسع، وخاصة الشباب. وأضافت أن الثقافة والقراءة تظلان أدوات فعالة للتقارب والفهم المتبادل، في زمن يعاني من الاضطرابات والانقسامات.
الحفل عرف أيضا تدخلات لشخصيات بارزة في المشهد الأدبي الفرنسي، من بينهم رئيس مهرجان باريس للكتاب فانسون مونتاني، الذي ذكّر بإسهامات كبار الكتاب المغاربة في الأدب الفرنكوفوني، وحصول عدد منهم على جوائز مرموقة، كجائزة غونكور. كما أكد على الدور الريادي للمغرب في تعزيز التعدد اللغوي والثقافي داخل الفضاء الفرنكوفوني.
ولم يفت المتحدثين الإشادة بالدينامية التي يعرفها المشهد الثقافي المغربي، وثراء الكتابات الأدبية التي تُنشر باللغتين العربية والفرنسية، مما يعكس التعدد الذي يميز الهوية الثقافية للمملكة، ويمنحها دورًا رياديًا على الساحة الدولية.
في ختام حفل الافتتاح، تم افتتاح الجناح المغربي رسمياً، حيث دُعي الحاضرون لاكتشاف غنى الإنتاج الأدبي المغربي، ولقاء مجموعة من الكتّاب والفاعلين في مجال النشر والترجمة. جناح جاء ليجسد روح المغرب المتعددة: جغرافيا وثقافة، تقليداً وحداثة، وانفتاحاً مستمراً على الآخر.
هكذا، يؤكد حضور المغرب كضيف شرف في مهرجان باريس للكتاب 2025، ليس فقط عمق العلاقات الثنائية مع فرنسا، بل أيضا الموقع المتقدم الذي باتت تحتله الثقافة المغربية في المشهد الأدبي العالمي، كجسر حيوي بين إفريقيا وأوروبا، بين الماضي والمستقبل.