ليست هذه مجرد زيارة دبلوماسية. وليست مجرد جملة في بيان مشترك. ما حدث بين ناصر بوريطة ونظيره الإستوني مارغوس تساخنا هو ترجمة فعلية لتحوّل عميق في موازين الخطاب الدولي. دولة من قلب الاتحاد الأوروبي، بلا مصالح اقتصادية ضخمة، بلا ضغط جيواستراتيجي مباشر، تعلن دعمها الواضح والصريح لخطة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007، وتصفها بـ”القاعدة الجادة، ذات المصداقية، لحل متفق عليه”.
حين تعلن إستونيا – وهي التي عاشت لعقود تحت وطأة أنظمة تفرض الخرائط بالقوة – دعمها لمقترح مغربي يستند إلى التوافق، فإنها لا تفعل ذلك مجاملة، بل انسجاماً مع تاريخها وهويتها، ومع منطق القانون الدولي كما يجب أن يكون: حلاً نابعاً من الواقع، لا من عناد الجماعات الانفصالية ولا من طموحات أنظمة تصدّر الفوضى.
هذه الخطوة الإستونية ليست منعزلة. إنها لبنة جديدة في جدار الدعم الدولي المتصاعد للمغرب، جدار شيده الملك محمد السادس بصبر استراتيجي، وذكاء دبلوماسي، ومصداقية في الميدان. من واشنطن إلى مدريد، ومن برلين إلى بوخارست، وها هي تالين تنضم إلى الركب، لتقول للعالم إن خريطة المغرب لا تقبل التقطيع.
في جملة واحدة قالها وزير الخارجية الإستوني تختزل كل شيء: “نشجع باقي الحكومات على اتخاذ نفس الموقف”.
ليست دعوة فقط، بل رسالة ضمنية لأولئك الذين لا يزالون عالقين في حسابات الحرب الباردة، أو أسرى شعارات ثورية انتهت صلاحيتها. آن الأوان لأن يستفيقوا.
في زمن تتلاعب فيه بعض الدول بجراح الشعوب لخدمة أجندات مظلمة، تأتي إستونيا، دولة بحجم صغير وصوت كبير، لتقول ما يخاف الكثيرون من قوله: الصحراء مغربية… والحل مغربي… والعدالة ليست ضد السيادة، بل معها.
وهكذا، من عاصمة لا تطل على الصحراء، وُلد موقف جديد يعكس شمس الحقيقة التي تسطع من الرباط إلى الداخلة.
فمن تالين… أشرقت مغربية الصحراء من جديد.