في بلد كان يُدعى ذات يوم “مهداً للربيع العربي”، سقط جدار. جدار هش، متآكل، متعفن. سقط فوق رؤوس أربعة تلاميذ في عمر الزهور، وسقط معه ما تبقى من وهم الدولة. هذا ليس مجرد حادث. لا يمكن أن نختبئ هذه المرة خلف عبارة “قضاء وقدر”. لأن القدر لم يطلب من الدولة أن تهمل، ولم يطالبها بتسليم مفاتيح السيادة إلى حفنة من الضباط في الجوار الشرقي.
في Mezzouna، من سيدي بوزيد – حيث اشتعلت أول شرارة للثورة في 2011 – لم يكن الحزن صامتاً. هناك لم يبكِ الناس فقط، بل صرخوا، أشعلوا النيران، كسروا حاجز الصمت والخوف، لأن ما حدث لم يكن موتاً مفاجئاً بل قتلاً بدم بارد… قتلاً باسم الإهمال، باسم الرداءة، وباسم رئيس يعتقد أن الحكم قصيدة من نظريات المؤامرة لا تنتهي.
في قصر قرطاج، لا تُصنع السياسات، بل تُصاغ الأساطير. كل معارض خائن، كل احتجاج مؤامرة، كل فشل خارجي. أما الداخل، فقد تركوه للجوع، للموت، للخراب. المدارس تنهار، المستشفيات تنهار، الجسور تنهار… والنظام الوحيد الذي لا ينهار هو نظام الهذيان الرسمي.
ووسط هذا الركام، تُخيط الجزائر خيوطها بهدوء. لا، ليست الجزائر الوطن، بل الجزائر السلطة. هناك حيث الجنرالات يبتلعون كل من يقترب من فكرة الحرية، وجدوا في الرئيس التونسي حليفاً مثالياً: ضعيف، معزول، مرتجف، ويبحث عن عدو دائم يُخيف به شعبه. وهكذا، أصبحت تونس ليست فقط دولة فاشلة، بل تابعة، تُدار عن بعد من خلف الحدود.
ا
حين يُكافأ الولاء لا الكفاءة، حين تُقمع النقابات لا تُسمع، حين يُمنع الغضب لا يُفهم، فإن البلاد لا تسير نحو الإصلاح، بل نحو الانفجار. وشرارة Mezzouna ليست الأخيرة. لأن الشعوب، حين تتيقن أن لا أحد يسمعها، تصرخ بصوت النار.
كايس سعيد لا يرى… أو لا يريد أن يرى. لكن تونس ترى. ترى أبناءها يُسحقون تحت الحجارة، وتعرف من المسؤول. وذات يوم – ربما قريب – ستُسقط هذه البلاد الجدار الأخير: جدار الصمت، وجدار الخوف، وجدار الوهم الذي يحاصرها منذ سنوات.
فلا سلام مع الرداءة…
ولا دولة مع الجنون!