بين “الفقسة” النقابية وميراث الإصلاحات.. بنكيران يعود إلى ساحة فاتح ماي

بين “الفقسة” النقابية وميراث الإصلاحات.. بنكيران يعود إلى ساحة فاتح ماي

عاد عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، إلى ساحة فاتح ماي، لا كزعيم نقابي ولا كخطيب سلطوي، بل كفاعل سياسي لا يزال يؤمن أن له ما يقوله للطبقة العاملة، في زمن تراجع فيه وهج النقابات وتفرقت فيه مطالب الشغيلة بين حسابات التمثيلية ومآرب اللحظة.

ظهور بنكيران في منصة نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب أثار عاصفة من الجدل، ليس فقط في الأوساط السياسية، بل حتى في صفوف النقابيين أنفسهم. لكن الغضب الأكبر جاء من الميلودي مخاريق، زعيم الاتحاد المغربي للشغل، الذي وصف بنكيران بـ”من لا يأتي منه سوى الشر”، وربط مشاركته النقابية بـ”الفقسة” من نتائج انتخابات 2021.

لكن هل فعلاً كان حضور بنكيران “استفزازاً” للنقابات، أم محاولة لمخاطبة فئة لا يزال يعتقد أنه يُجيد مخاطبتها؟ وهل من المنطقي أن نلخص تجربة رجل قاد حكومة لمدة عقد تقريباً في كلمتين: “الشر” و”الفقسة”؟

لا شك أن لبنكيران أخطاء، خصوصاً في ملف إصلاح التقاعد، الذي اعتبره كثيرون إجراءً قاسيًا على حساب الأجراء. لكنه في المقابل، أطلق ورشاً من الإصلاحات الكبرى التي اختار فيها أن “يغضب الناس اليوم، لكي لا تنهار الدولة غداً”. فهل نلومه لأنه اختار الصعب في وقت اختار فيه غيره التواطؤ أو الصمت؟

ما لم ينتبه له البعض أن بنكيران لم يأتِ ليخطب في نقابة مخاريق ولا ليُزايد على أحد، بل في نقابة تاريخياً كانت قريبة من حزبه، وربما كانت المناسبة محاولة منه لتجديد الثقة مع جزء من قواعده الاجتماعية.

أما هجوم مخاريق، فبالقدر الذي يعكس غيرة نقابية مفهومة على استقلالية العمل النقابي، إلا أنه في أسلوبه بدا شخصيًا أكثر مما هو مبدئي، وكأننا أمام خصومة قديمة انفجرت على هامش ذكرى نضالية.

في النهاية، لا بنكيران ملاك ولا مخاريق شيطان. لكن النقاش بينهما يفضح شيئاً أعمق: أزمة العلاقة بين السياسي والنقابي في المغرب، حيث ما زال كل طرف يُخَوِّن الآخر، عوض أن يلتقيا على هدف مشترك: الدفاع عن كرامة الأجير وتحقيق العدالة الاجتماعية.