هل تنجح “مدارس الريادة” في إحداث ثورة هادئة داخل التعليم الإعدادي المغربي ؟

هل تنجح “مدارس الريادة” في إحداث ثورة هادئة داخل التعليم الإعدادي المغربي ؟
في ظل التحديات المتعددة التي تواجه المنظومة التعليمية المغربية، تأتي مبادرة “إعداديات الريادة” كخطوة استراتيجية نحو بناء “مدرسة المستقبل”، وهي مبادرة جديدة أعلن عنها رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، خلال جلسة الأسئلة الشفوية الشهرية بمجلس النواب، لتكون امتداداً لتجربة “مدارس الريادة” التي انطلقت في التعليم الابتدائي وحققت نتائج مشجعة.
“إعداديات الريادة”…رهان المغرب الجريء لإنقاذ التعليم الإعدادي من الهدر والتهميش
الرهان في هذه المرحلة الجديدة هو على التعليم الثانوي الإعدادي، الذي يعد اليوم أحد أضعف الحلقات في مسار التمدرس، نظراً لارتفاع نسب الهدر المدرسي، وصعوبة التأطير التربوي والنفسي للتلاميذ في مرحلة انتقالية حرجة. مشروع “إعداديات الريادة” يسعى لمعالجة هذه الإشكاليات البنيوية، من خلال رؤية متكاملة تراهن على الجودة، الإنصاف، والدعم الموجه للتلميذ والأستاذ معاً.
نموذج تعليمي طموح يعتمد على أربعة محاور
يرتكز المشروع على أربعة محاور أساسية تشكل العمود الفقري لهذا التحول:
1. تعزيز مشروع المؤسسة: من خلال توفير الأطر التربوية والإدارية وتحديث البنية التحتية الرقمية داخل الفصول الدراسية، في مسعى لتحويل المدرسة الإعدادية إلى فضاء عصري وجذاب.
2. المواكبة التربوية والنفسية للتلاميذ: حيث يعتمد على مقاربة TARL التي تركز على التعليم بحسب مستوى التلميذ، إلى جانب تفعيل خلايا اليقظة لمحاربة الانقطاع عن الدراسة، وإدماج الأنشطة الثقافية والرياضية في الحياة المدرسية.
3. تمكين الأطر التربوية: عبر تكوينات بيداغوجية عصرية تمنح الأساتذة الأدوات الكفيلة بالتكيف مع واقع القسم ومتطلبات المرحلة الإعدادية.
4. تنمية التفتح الشخصي للتلاميذ: ببرمجة أنشطة في المسرح والموسيقى والفنون والمهارات الحياتية، مما يرسخ البعد الإنساني والتكامل في العملية التعليمية.
تمويل مهم ودعم مؤسساتي
لم تكتف الحكومة بوضع الإطار النظري لهذا التحول، بل رصدت له موارد مالية ضخمة، تشمل دعماً مباشراً قدره 200 ألف درهم سنوياً لكل مؤسسة مشاركة، وتأهيل البنيات التحتية وتزويد الأقسام بالوسائل التكنولوجية الحديثة. كما تم تكوين أزيد من 84 متخصصاً في المجال الاجتماعي لمرافقة التلاميذ ومساعدتهم على تجاوز التحديات السلوكية والنفسية.
وتشير المعطيات إلى أن حوالي 230 مؤسسة إعدادية، تمثل 10% من مجموع مؤسسات التعليم الإعدادي بالمغرب، قد انخرطت في هذه التجربة، بما يزيد عن 200 ألف تلميذ، وبتأطير من أكثر من 600 مفتش و6 آلاف أستاذ، مما يعكس حجم الرهان الوطني على هذه المبادرة.
إصلاح لا يستثني أحدا
أكد رئيس الحكومة أن الغاية ليست خلق نموذج تعليمي نخبوي، بل تأسيس مدرسة عمومية حديثة، منصفة، ودامجة، تضمن فرص النجاح لجميع التلاميذ دون تمييز، معتبراً أن هذه المبادرة تجسد التزامات الحكومة في إطار خارطة الطريق التربوية 2022-2026، وتعزز المسار التشريعي بعد المصادقة على مشروع القانون رقم 21-59 المتعلق بالتعليم المدرسي.
يبدو أن “إعداديات الريادة” تمثل نقطة تحول في التعاطي مع أزمة التعليم الإعدادي بالمغرب. فنجاح هذا النموذج سيعني تقليصاً فعلياً للهدر المدرسي، وفتح آفاق جديدة أمام التلاميذ لاكتساب كفايات ومهارات تواكب متطلبات العصر، بما يمنحهم القدرة على الاندماج الفعال في الحياة الاجتماعية والمهنية، ويعزز من رصيد الثقة في المدرسة العمومية المغربية.
فاطمة الزهراء الجلاد.