اقدم مصطفى الرميد وزير الدولة سابقا في حقوق الإنسان، على إنتقاد الحفل الذي أقامه مغني الراب طوطو، برسم فعاليات مهرجان موازين، معتبرا أن ما يُقدَّم لا يرقى إلى الفن ولا إلى الثقافة، بل يعكس خللاً في الذوق العام وانحداراً في المعنى.
وقال الرميد، في تدوينة له نشرها على حسابه الشخصي بموقع التواصل الإجتماعي فايسبوك، إن “العلّة ليست في حفلة صاخبة، ولا في مهرجان أضواؤه تلمع أكثر مما تُضيء، بل في اقتناعٍ تسلّل إلى الأذهان على حين غفلة، فصار الضجيج يُعَدّ إنجازًا، والحشود دليلَ قيمة، والفنّ لا يحتاج إلى ذوقٍ ما دام التصفيق حاضرًا”.
وتابع القيادي السابق في حزب العدالة والتنمية بالقول ” “ثمّة خللٌ ما أصاب بوصلة الذوق، فانقلب الصخب إلى فضيلة، واعتُبرت الجرأة مرادفًا للإبداع، حتى غابت المسافة بين الشجاعة والانحدار. الكلمات تُقال دون محتوى، والإيقاعات تُكرَّر حتى الملل، والرؤوس تهتزّ لا طربًا، بل انسياقًا. يُروَّج لهذا العبث كأنه وثبة في سماء الحداثة، بينما لا هو تقدُّم، ولا هو فنّ. وليس كل ما يعلو يُقاس، ولا كل ما يُكرَّر يُصدّق. ما يُقدَّم في كثير من المشاهد لا يرقى إلى الترفيه، ولا يمتّ إلى الثقافة بصلة؛ إنما هو فراغ لامع، مغلّف بالمؤثرات، تُسدل عليه الستائر كأنّه منجز.”
وأضاف الرميد ““تحت كل تلك الأضواء الزائفة، يتوارى سؤال جوهري: من يُربّي الذوق؟ من يحرس المعنى؟ من يضع الحدود بين الحرية والابتذال؟ فالمهرجان، الذي يُراد له أن يكون احتفالاً بالفن، يتحوّل في لحظة إلى مرآة دقيقة لمجتمع يتمايل، لا طربًا، بل حيرةً. نعم، الجمهور كثير. لكن الكثرة ليست مقياسًا للجودة، ولا الزحام قرينة على القيمة”.
وأردف نفس المتحدث ““في مساءٍ من أمسيات الصيف، كانت المدينة تضجّ بالجموع. أضواءٌ تصرخ، مكبّراتٌ تُزمجر، ووجوه تتمايل كأنها في احتفالٍ بانتصارٍ لم يقع، أو عزاءٍ لشيءٍ لم يُدرك أنه مات. انتهى العرض، وبدأت الحكاية، فالموسيقى لم تعد تُسمع، بل تُقذف قذفًا. الفنّ لم يعُد يُذوق، بل يُقدَّم كوجبةٍ سريعة، لا أحد يسأل عن مكوناتها، ما دامت تُشبع الحاجة إلى نسيان الواقع، وتملأ الفراغ بما يكفي من الحركة”، يورد الرميد، مبرزا أنه في هذا المشهد، “لم يعُد يُسأل الناس: “ماذا سمعتم؟”، بل: “كم قفزتم؟ كم صرختُم؟ هل التقطت الكاميرا لحظتكم؟”. النجاح صار يُقاس بعدد الأيدي المرفوعة لا بعدد العقول المنشغلة”.
واعتبر الرميد ” أن “الخلط بات سائدًا: الجرأة تُسوَّق على أنها تحرّر، والتفاهة تُقدَّم كأنها بساطة، والصخب يُعلَن إبداعًا لأنه “حرّك الجمهور”. أما الذوق؟ فهو في مؤخرة الصف، لا يُستشار ولا يُراد له أن يستفيق. أُغرِقَ في صخبٍ لا يُبقي ولا يذر، وصار الضجيج موضة، والسطحية قاعدة، والابتذال طبيعة المرحلة. ووسط كل ذلك، يُعاد تشكيل الوعي العام. تُعاد برمجة الأذواق لتقبل أي شيء، ما دام ملفوفًا في لافتة “فن” أو “انفتاح”. لم يعُد أحد يسأل: هل ما نراه يرقى لأن يكون فنًا؟ هل ما نسمعه يبني ذوقًا؟ هل ما نحتفل به يستحقّ الاحتفال؟”.
وختم الوزير السابق في حقوق الإنسان بالقول ” أن “النبرة العالية أصبحت ستارًا يُخفي فراغ المعنى، والكثرة لم تعُد ضمانة، بل مجرّد تبرير. نعم، قد يحضر الآلاف، لكن ماذا يبقى بعد أن تنطفئ الأنوار؟ لا شيء سوى صدى في الفراغ”، موضحا: “لسنا ضد الفن، ولا ضد البهجة، ولكننا في غاية الضيق من فرحٍ زائف، يُراد له أن يكون غطاءً على التراجع، وسلاحًا ضد كل من يجرؤ على السؤال. فالمجتمعات لا تنهض حين تهتزّ، بل حين تصغي. ولا تنضج حين تحتفل، بل حين تعقل ما تحتفل به