الذكرى 104 لمعركة أنوال: محطة مفصلية في ملحمة الكفاح الوطني المغربي

الذكرى 104 لمعركة أنوال: محطة مفصلية في ملحمة الكفاح الوطني المغربي
 يخلد الشعب المغربي، اليوم الإثنين 21 يوليوز، ومعه أسرة المقاومة وجيش التحرير، الذكرى الـ104 لمعركة أنوال المجيدة، إحدى أبرز المحطات المضيئة في تاريخ الكفاح الوطني ضد الاستعمار، والتي شكلت انتصارا باهرا حققه المجاهدون المغاربة بقيادة البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي على قوات الاحتلال الإسباني سنة 1921.
يأتي إحياء هذه الذكرى لاستحضار تضحيات أبطال المقاومة، وإبراز قيم النضال الوطني التي طبعت مسار التحرر المغربي منذ بداية القرن العشرين، حيث أطلق الشريف محمد أمزيان شرارة الكفاح المسلح بين 1907 و1912، خاض خلالها معارك شرسة ضد قوات الاحتلال إلى أن سقط شهيدًا في ميدان الشرف في 15 ماي 1912.
وقد تواصلت شعلة المقاومة في الريف بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي، الذي تميز بقدرة استثنائية على التنظيم والتخطيط، واستطاع أن يؤسس جيشا منظما خاض معركة أنوال باحترافية عسكرية عالية، مسجلاً إحدى أعظم الانتصارات ضد الجيوش الاستعمارية، حيث تكبدت القوات الإسبانية خسائر جسيمة تجاوزت 13 ألف قتيل، من بينهم الجنرال “سلفستر”، وتمكن المجاهدون من اغتنام كميات كبيرة من الأسلحة والعتاد.
هذا الانتصار المدوي لم يكن مجرد تفوق عسكري، بل تحول إلى مرجعية عالمية في فنون حرب العصابات، وألهم العديد من حركات التحرر في مختلف أنحاء العالم، كما أربك حسابات القوى الاستعمارية، وأجبرها على التفاوض مع القيادة الريفية لحفظ ماء وجهها، دون أن تنجح في ثني عزيمة الخطابي، الذي استمر في المقاومة رغم التحالف الفرنسي-الإسباني، إلى أن اضطر، في ظل اختلال ميزان القوى، إلى تسليم نفسه في 26 ماي 1926، لتجنيب المنطقة المزيد من الدماء.
وأشارت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير إلى أن ملحمة أنوال تمثل نقطة تحول في مسار الكفاح الوطني، إذ تلاها انتقال نحو النضال السياسي عبر مواجهة المشاريع الاستعمارية، كالتصدي للظهير البربري سنة 1930، وتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال سنة 1944، إلى جانب الدور الريادي لجلالة المغفور له محمد الخامس في مقاومة الاحتلال، خاصة بعد نفيه الجائر سنة 1953، وهو الحدث الذي زاد من اشتعال جذوة المقاومة حتى العودة المظفرة لجلالته سنة 1955، إيذانا بانطلاق عهد الحرية والاستقلال.
في هذا السياق، شددت المندوبية على أن أسرة المقاومة وجيش التحرير تجدد اليوم، بهذه المناسبة المجيدة، تأكيد تعبئتها الدائمة وانخراطها الكامل تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، للدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة، ومواصلة مسيرة التنمية والتحديث، مشيدة بالدعم المتزايد للمبادرة المغربية للحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية، كحل واقعي يحظى باعتراف دولي واسع.
كما تعتبر الذكرى فرصة لترسيخ قيم الوطنية في أوساط الأجيال الصاعدة، من خلال استلهام الدروس والعبر من ملاحم المقاومة في مواجهة التحديات المعاصرة، وتعزيز روح المواطنة المسؤولة للمساهمة في بناء مغرب قوي، متماسك ومتقدم.
وبهذه المناسبة، تنظم المندوبية، اليوم الإثنين، مهرجانا خطابيا بمقر عمالة إقليم الدريوش، يتخلله تقديم كلمات وشهادات تستحضر الأبعاد الرمزية والتاريخية لمعركة أنوال، كما سيتم تكريم عدد من قدماء المقاومين وأفراد أسرهم، إلى جانب توزيع إعانات ومساعدات اجتماعية.
ويواكب هذه الأنشطة برنامج وطني متنوع تنظمه مختلف النيابات الجهوية والمحلية التابعة للمندوبية، عبر 105 فضاءات للذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير المنتشرة في ربوع المملكة، يتضمن لقاءات تربوية وثقافية تهدف إلى صون الذاكرة الوطنية ونقلها للأجيال الصاعدة، تأكيدًا على استمرار روح النضال الوطني في الحاضر والمستقبل.
فاطمة الزهراء الجلاد.