يخلد الشعب المغربي، يوم 23 يوليوز من كل سنة، ذكرى وفاة جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، وهي مناسبة لاستحضار مسار قائد بصم تاريخ المملكة بحنكة سياسية ورؤية استراتيجية جعلت منه أحد كبار الزعماء في العالم العربي والإفريقي خلال القرن العشرين.
في مثل هذا اليوم من سنة 1999، أسلم جلالة المغفور له روحه لبارئها، مخلفا وراءه إرثا سياسيا ومؤسساتيا كبيرا، بعدما قاد المغرب لما يناهز أربعة عقود من الاستقلال، متحديا أعاصير السياسة وتقلبات الحرب الباردة، ومرسخا لمكانة المملكة إقليميا ودوليا.
الحسن الثاني.. صانع التوازنات
ولد الملك الحسن الثاني يوم 9 يوليوز 1929، وتولى العرش في 3 مارس 1961 خلفا لوالده جلالة المغفور له محمد الخامس. وقد تميز عهده ببناء مؤسسات الدولة الحديثة، ووضع أول دستور سنة 1962، مع إرساء نظام ملكية دستورية يقوم على التعددية الحزبية، وهي خصوصية مغربية نادرة في المنطقة آنذاك.
في المجال الخارجي، اتسمت دبلوماسيته بالذكاء وبعد النظر، حيث جعل من المغرب وسيطا موثوقا به في عدد من القضايا الإقليمية، ولم يتردد في اتخاذ مواقف جريئة، سواء في دعمه للقضية الفلسطينية أو دفاعه عن الوحدة الترابية للمملكة، خاصة في قضية الصحراء المغربية، حيث قاد المسيرة الخضراء سنة 1975، تلك الملحمة السلمية التي ستبقى خالدة في ذاكرة المغاربة والعالم.
بصمات لا تُمحى
نجح الحسن الثاني، رغم التحديات الداخلية والصدمات الاقتصادية والسياسية، في الحفاظ على استقرار البلاد، ووضع الأسس الأولى لمغرب المؤسسات. كما أولى أهمية كبيرة للتعليم، والبنية التحتية، والقضاء، مع رعاية خاصة للفلاحة، التي كان يصفها بـ”عماد الاقتصاد الوطني”.
ولم يكن الحسن الثاني ملكاً فقط، بل مفكراً أيضاً. فقد خلف مجموعة من المؤلفات، أبرزها كتابه الشهير “ذاكرة ملك”، الذي أضاء فيه جانباً من تاريخ المغرب الحديث، ومواقفه من قضايا الأمة.
الوفاء لعهد الاستمرارية
رحل الحسن الثاني عن عمر يناهز 70 سنة، لكن روح التحديث والإصلاح التي بذرها استمرت في عهد خلفه ووارث سره جلالة الملك محمد السادس، الذي حمل المشعل منذ 23 يوليوز 1999، مواصلاً بناء مغرب الانفتاح والنموذج التنموي الجديد، في إطار الاستقرار والشرعية التاريخية.
في ذكرى وفاته، يقف المغاربة وقفة إجلال لرجل جمع بين صرامة القائد ودهاء السياسي، وكرامة الملك الذي اختار دائماً مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.