رياضة

وليد الكرتي .. ماذا أصابك يا ولدي ؟

لن يختلف اثنان على أن مزعزع القارة وليد الكرتي قد أفُل نجمه في الآونة الأخيرة، وأن أداءه في المباريات الأخيرة صار يجر عليه الكثير من الانتقادات من قبل الجمهور الودادي، خاصة وأن بزوغ نجمه وكونه في فترة من الفترات النجم الأول للفريق جعل الجماهير تُعلي سقف تطلعاتها من اللاعب.

تطلعاتٌ لم تدركها الجماهير الحمراء بعد، وفترة فراغ وليد دامت طويلا، وعبء على عاتقيه يصير ثقيلا، والسؤال على لسان كل مشجع ودادي هو لماذا يتألق الكرتي رفقة المنتخب؟ ففي آخر مباراة له مع المنتخب الوطني سجل هدف الفوز من تسديدة أقل ما يقال عنها أنها عالمية، ناهيك عن مساهمته الفعالة في تتويج المنتخب المحلي بالشان، بالمقابل لا يرقى لمستوى تطلعات الجمهور الودادي حينما يرتدي قميص الودادي حاليا، فأين تتجه بوصلتك يا وليد ؟

1. ما بك يا وليد؟

بالعودة للوراء مر وليد الكرتي من فترة فراغ طويلة ومشابهة للتي يمر منها اليوم في حقبة توشاك، لكن حدة الانتقادات لم تكن متوازية مع الانتقادات التي يتلقاها اليوم، بل وتزداد مهمة الخروج من فترة فراغه صعوبة في الوقت الراهن وتفسير ذلك فيما يلي

في فترة توشاك كان الوداد ‘’فريق النجم الواحد’’، فلا ينكر أحد أن نجم الفريق حينها كان هو ابن الدار رضى الهجهوج، وأن الجماهير كان تنتظر الخلاص على قدميه، بل وكانت تهتف باسمه فقط في المدرجات، وهذا يساهم في زيادة الضغط على رضى وتقليصه على باقي لاعبي الفريق بما فيهم وليد الكرتي، وهذا ما يفسر كذلك عدم قدرة الهجهوج على استعادة مستواه بعد أن مر هو الآخر من مرحلة فراغ، لينتهي به المطاف خارج حسابات المدربين وبالتالي خارج أسوار النادي، لكن بعد توجهه صوب نادي أولمبيك خريبكة حيث الضغط صار أقل بكثير وأضواء النجومية لا تسلط عليه إلا ناذرا في ظل تألق الحشادي حينها، استطاع أن يظهر بثوب البطل من جديد وأن يبرز مستواه المعهود.

رحل الهجهوج وتوشاك آنت حقبة عموتة الذهبية، الفريق لم يعد له نجم واحد، بل صار قريبا من كونه فريق كلاكتيكوس، ففابريس والحداد وجيبور في أوجه ثم أوناجم وبنشرقي يعلون حدة المنافسة على النجومية وبالتالي الضغط أقل على الكرتي، خاصة وأن دوره لا يرتكز عادة على تسجيل الأهداف بل صناعتها، والقاعدة تقول أنت من يسجل أكثر إذا أنت نجم الفريق الأول، وكتأكيد على ما أقول أستشهد بكازادي الذي لعب أول مرة دون ضغط لأن الجمهور لم يكن يطالبه بالأهداف، لكن ما إن صار يسجل في كل مباراة تقريبا حتى صار نجم الفريق وعلت التطلعات وبالتالي زاد الضغط وقل المردود.

انتهت فترة الكالاكتيكوس وعموتة مع الوداد، رحل بنشرقي وتبعه أوناجم ثم جيبور، وإصابات متكررة عانى منها الحداد كانت تغيبه عن المباريات بين الفينة والأخرى، فتعبدت الطريق أمام الكرتي، ووجد الوداد نفسه في نهائي العصبة يقاتل على درعها أمام الترجي، ثم أتت رأسية خالدة من الكرتي قلبت حال الكرة في إفريقيا وجعلت الوداد بطلا في عيون العالم إلا في عيون الترجي والكاف وزبانيتهما، كما جعلت الكرتي نفسه نجم الفريق الأول والوحيد، وأعين الجماهير لا ترى سواه، فحتى في ذكرى فضيحة رادس رفعت جماهير الوداد تيفو للكرتي منادية باسمه، وهنا زاد الضغط عليه، والقاعدة تقول ضغط أعلى إذا تركيز أقل ثم مردود أقل، وهذا حتما ما يعانيه الكرتي حتى اليوم.

2. الكرتي ليس أفضل من ميسي

بعيدا عن الكرتي، نحط الرحال بالأرجنتين حيث يوجد أفضل لاعب بالمجرة، وخير من لمس الكرة قط، بلاد غارقة في المشاكل الإقتصادية والاجتماعية والسياسية وحدث ولا حرج، الملاذ الوحيد لسكان أرض الفضة للترفيه وطرد الانتكاسات هي كرة القدم، شعب لا يلقي هما لانتكاساته في كل المجالات بقدر ما يلقيها لانتكاساته في كرة القدم تحديدا.

يقول الكاتب الرياضي البريطاني جوناثان ويلسون في كتابه (ملائكة بوجوه قبيحة): ‘’ إلى حدود سنة 1918 كان معظم سكان الأرجنتين ينحذرون من أسلاف ذوي أصول ليست أرجنتينية، مما كان يفسر ضعف نزعتهم الوطنية وشعورهم بالانتماء لبلادهم، لكن الشيء الوحيد الذي كان يعيد لهم الشعور بالانتماء إلى وطنهم فعليا هو مبارايات كرة القدم التي يلعبها منتخبهم ضد منتخبات بلدان أخرى، كرة القدم بالنسبة للأرجنتينين لست مجرد لعبة، هي مسألة هوية وانتماء، وهذا ما يفسر كون ديربي البوكا والريفر هو أعنف ديربي في العالم، ويفسر العصبية الشديدة التي يمتلكها سكان هذا البلد اتجاه منتخبهم … إن كنت ترغب في الحفاظ على رأسك فوق كتفيك لا تصف منتخب الأرجنتين بسوء في شوارع بوينس أيريس’’.

ما يؤكد كلام جوناثان ويلسون هو إقدام نظام الجنرالات ‘’خونتا’’ سنة 1978 على خطف أصدقاء وعائلات لاعبي المنتخب الأرجنتيني كوسيلة للضغط عليهم للفوز بكأس العالم، وبث بيان رئاسي في مختلف وسائل الإعلام جاء فيه أن الفوز بكأس العالم هو مهمة وطنية تقع على عاتق اللاعبين، وعدم الفوز بها هو خيانة للوطن.

أمور كهذه توحي لك بحدة الضغط الذي يكون على اللاعبين في منتخب الأرجنتين، وحتى ميسي أفضل من لمس الكرة يفقد جزءً كبيرا من إمكانياته حينما يدافع عن ألوان منتخب بلاده بسبب الضغط، ولا أظن الكرتي خيرا منم ميسي ليكون استثناء، ويتمرد على الضغط.

3. ماذا يحتاج الكرتي

أظن أنه صار جليا أن وليد لا يحتاج لتداريب إضافية، فهو من خيرة لاعبي الوسط في القارة السمراء بشهادة الجميع، وإمكانياته ليست قليلة ولا أظنه لاعبا عاديا، لكن ما يحتاجه الكرتي حقا في هذه الظرفية هي التخلص من الضغط، وهذا لن يتم إن بقي الكرتي في نظر جمهور الوداد هو المنقذ ونجم الفريق الأول، الكرتي سيعود لمستواه المعهود في حالتين، إما مغادرة الفريق صوب فريق آخر أقل ضغطا، وهذا ما لا أرجوه شخصيا، وإما بظهور نجم جديد للفريق يحمل الضغط عن عاتقي وليد ليستعيد تركيزه.

كما أن الجمهور يمكنه أن يخفف الضغط عن الكرتي كذلك، وذلك بالاستمرار في تشجيعه دون أن يلقوا آمالا ضخمة عليه.

شخصيا أتمنى أن تكون مباراة الأهلي القادمة حافزا للكرتي لاستعادة أوجه، خاصة وأن رأسيته البديعة في شباك نفس الفريق هي التي حسمت تأهل الوداد من المجموعات إلى دور الربع سنة 2017 ثم حسمت اللقب في النهائي أمام نفس الفريق، إلى هناك لا يسعني إلى أن أتمنى صادقا للكرتي أن يتمكن من تعديل بوصلته، فهو لاعب بإمكانيات قل نظيرها، ولا أعتقد أن تكون هذه نهاية أسطورته.

أشرف القرشي

قد يعجبك ايضا

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق