الطالبي العلمي: البرلمان لا يبني الديمقراطية بالقوانين فقط بل بالانفتاح على الفكر والمعرفة

في احتفال وطني متميز احتضنه البرلمان يوم الأربعاء 16 يوليوز 2025، ألقى السيد راشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب، كلمة مؤثرة بمناسبة حفل تسليم الجائزة الوطنية للأبحاث والدراسات حول العمل البرلماني في دورتها الخامسة، مبرزاً من خلالها عمق الرهانات التي تحفّ بهذه المبادرة العلمية، ودورها في تعزيز جسور الحوار بين السياسة والفكر والمعرفة الأكاديمية.
وخلال كلمته التي حضرها عدد من الشخصيات السياسية والأكاديمية، أكد الطالبي العلمي أن الجائزة لا تُمثل مجرد تظاهرة أكاديمية ظرفية، بل هي تجسيد ملموس لإرادة مؤسساتية تسعى لجعل العمل البرلماني موضوعاً للتحليل والدراسة، ومنصة لتفاعل جدي بين السياسيين والباحثين. واعتبر أن الديمقراطية الحقيقية لا تُبنى فقط عبر التشريعات والانتخابات، بل تحتاج أيضاً إلى التفاعل مع مخرجات البحث العلمي، والانصات للمعرفة الدقيقة والمتجددة.
وأشار رئيس مجلس النواب إلى أن مبادرة الجائزة تأتي لأول مرة بمبادرة مشتركة من مجلسي البرلمان، في إشارة واضحة إلى إرادة تشريعية حقيقية للانفتاح على الجامعة المغربية، وعلى النخب الأكاديمية التي ما فتئت تنتج معرفة رصينة حول العمل السياسي والمؤسساتي.
وتوقف الطالبي العلمي عند التجارب المقارنة والأفكار الكبرى التي تناولت دور المؤسسات التمثيلية في الفكر السياسي، مستحضراً أسماء لامعة مثل “يورغن هابرماس” و”كارل بوبر” و”جون ستيوارت ميل” و”نانسي فريزر”، مشيراً إلى أن المؤسسات لا تكتسب شرعيتها فقط من وظائفها الدستورية، بل أيضاً من قدرتها على الانخراط الواعي في النقاش العمومي وإنتاج التفكير السياسي الجاد.
وفي معرض حديثه عن الجائزة، عبر رئيس مجلس النواب عن امتنانه العميق لرئيس وأعضاء لجنة التحكيم، وعلى رأسهم الأستاذ عبد الإله العبدي، الذين ساهموا في الحفاظ على جودة الجائزة ومصداقيتها. كما وجه تحية خاصة إلى الباحثين المشاركين في الدورة، مشيداً بما قدموه من أبحاث نوعية تُبرز أن الجامعة المغربية ليست فقط فضاءً للتكوين، بل أيضاً حاضنة لإنتاج الفكر وتطوير الأداء البرلماني.
وختم الطالبي العلمي كلمته بالتأكيد على أن هذه الجائزة تُمثل “لبنة جديدة” في مسار ربط البرلمان بالمجتمع العلمي، خاصة في ظل التحديات المتعددة التي يشهدها السياق الوطني والدولي، معتبراً أن الرهان اليوم لم يعد يقتصر على التشريع والمراقبة، بل يشمل التفكير وإعادة ابتكار أدوات التحليل والتفاعل مع أسئلة المجتمع.
واعتبر أن المغرب، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، يمضي بثبات نحو ترسيخ نموذج ديمقراطي متفرد يجعل من المؤسسات التشريعية فضاءات منفتحة على النقاش العقلاني والمشاركة المجتمعية، ويجعل من المعرفة ركيزة في صناعة القرار العمومي.
مبادرة الجائزة الوطنية للأبحاث والدراسات حول العمل البرلماني تواصل إذن ترسيخ حضورها كرافعة استراتيجية لدمقرطة الفكر السياسي، وربط المؤسسة التشريعية بخزانات التفكير الجامعي، في زمن يتطلب أكثر من أي وقت مضى إعادة الاعتبار للعلم والمعرفة كأدوات حيوية لصيانة الديمقراطية وتطوير الأداء المؤسساتي.