“ذكرى تقديم وثيقة الاستقلال: يوم انتصرت إرادة الشعب المغربي”

في 11 يناير من كل عام، يحتفل المغاربة بذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، محطة مضيئة في تاريخ الكفاح الوطني ضد الاستعمار. هذا اليوم لا يمثل فقط حدثاً سياسياً بارزاً، بل هو تجسيد لروح التلاحم الوطني بين العرش والشعب، وإرادة جماعية للتحرر من قيود الاستعمار واستعادة السيادة الوطنية.
شهد عام 1944 تحوّلاً حاسماً في مسار النضال الوطني، حيث أقدم ثلة من الوطنيين المغاربة على تقديم وثيقة تاريخية تطالب بالاستقلال الكامل عن نظام الحماية الفرنسية والإسبانية. جاءت الوثيقة في سياق عالمي معقد، حيث كان العالم يعيش أهوال الحرب العالمية الثانية، إلا أن الوطنيين المغاربة نجحوا في لفت الأنظار إلى القضية المغربية، مؤكدين أن شعبهم لن يقبل إلا بالحرية والاستقلال.
كانت الوثيقة، التي قُدِّمت للملك الراحل محمد الخامس ووزعت نسخ منها على ممثلي الحلفاء، خطوة جريئة عبّرت عن نضج الحركة الوطنية المغربية. لكنها لم تمر دون ثمن، فقد واجه الموقعون عليها موجة من الاعتقالات والنفي، في محاولة يائسة من المستعمر لإخماد جذوة الكفاح.
رغم القمع، كانت الوثيقة بمثابة شرارة أشعلت روح المقاومة الشعبية، وفتحت الطريق نحو انطلاقة جديدة في مسار التحرر الوطني، الذي تكلل في النهاية بتحقيق الاستقلال عام 1956.
ذكرى تقديم وثيقة الاستقلال ليست مجرد لحظة تأمل في الماضي، بل هي مناسبة لاستحضار القيم التي شكّلت أساس النضال المغربي: التضحية، الوحدة، والإيمان الراسخ بالحق في الحرية. إنها تذكير بأن إرادة الشعوب أقوى من أي قوة استعمارية، وبأن التاريخ لا يُكتب إلا بأيدي أولئك الذين يؤمنون بقدرتهم على تغييره.
في هذا اليوم، يجدد المغاربة عهد الوفاء لروح أجدادهم الذين بذلوا الغالي والنفيس من أجل حرية وطنهم، ويؤكدون استمرارهم في السير على خطى الكفاح من أجل بناء مغرب قوي وحديث، يحترم ماضيه ويصنع مستقبله بإرادة جماعية لا تلين.