مجتمع
بين الابتكار والحقوق: معركة مستقبل الذكاء الاصطناعي تحت مجهر القانون الدولي

شهد العالم خلال السنوات الأخيرة طفرة هائلة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث دخلت هذه التكنولوجيا في شتى مجالات الحياة، من الصحة إلى التعليم والعمل، مرورًا بالأمن والاقتصاد. ومع هذا التطور السريع، برزت تساؤلات جوهرية حول كيفية حماية حقوق الإنسان في ظل أنظمة ذكاء اصطناعي قد تؤثر على الخصوصية، والكرامة، والإنصاف، والشفافية.
في هذا السياق، تأتي مداخلة السيدة أمينة بوعياش، رئيسة التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ورئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب، في المؤتمر الدولي المنعقد بالدوحة، لتسلط الضوء على أهمية التأطير القانوني الدولي كحماية جوهرية تضمن استفادة الجميع من الذكاء الاصطناعي دون انتقاص من الحقوق الأساسية.
القانون الدولي لحقوق الإنسان كإطار ضروري وليس عائقا
تؤكد بوعياش أن القانون الدولي لحقوق الإنسان لا يجب أن يُنظر إليه على أنه عائق أمام الابتكار، بل كإطار أساسي يوفر الحماية ويضمن عدالة الاستخدام. هذه الرؤية تعكس وعيًا متزايدًا بأهمية دمج الأطر الحقوقية في مراحل تطوير ونشر تقنيات الذكاء الاصطناعي، لضمان أن لا تتحول هذه التقنيات إلى أدوات للتمييز أو القمع.
الذكاء الاصطناعي: فرصة لتعزيز الحقوق أو تهديد لها؟
على الرغم من الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي، مثل تحسين جودة الخدمات الصحية وتوسيع فرص التعليم، إلا أن هناك مخاطر متزايدة. فأنظمة الذكاء الاصطناعي قد تعتمد على خوارزميات تتضمن تحيزات مسبقة أو قد تُستخدم لمراقبة الأفراد بشكل ينتهك الخصوصية، أو لتعزيز التمييز في الوظائف أو الخدمات.
في هذا الإطار، تشير بوعياش إلى ضرورة تصميم هذه الأنظمة “لحماية الإنسان والنهوض بالبشرية والحقوق”، وهو ما يتطلب التزامًا أخلاقيًا وقانونيًا واضحًا من قبل مطوري التكنولوجيا وصانعي السياسات.
التحديات التقنية والتنظيمية
يكمن أحد أبرز التحديات في عدم توافق التشريعات الوطنية والدولية مع سرعة التطور التكنولوجي. فبينما تتطور خوارزميات الذكاء الاصطناعي بوتيرة متسارعة، تظل القوانين واللوائح في كثير من الدول بطيئة في التكيف مع هذه التغييرات.
كما أن غياب معايير دولية موحدة يجعل من الصعب مراقبة استخدام الذكاء الاصطناعي وضمان احترام حقوق الإنسان في كل البيئات. هذا ما يجعل من المؤتمرات الدولية مثل الذي انعقد في الدوحة ضرورية لتعزيز التعاون الدولي وصياغة توصيات ومواثيق مشتركة.
الطريق نحو مستقبل أفضل
تطرح مداخلة بوعياش نقاشًا جوهريًا حول كيفية بناء نظم ذكاء اصطناعي إنسانية ومسؤولة. فالذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تقنية بل هو نظام قادر على تشكيل مجتمعاتنا وقيمنا. لذلك، لا بد من وضع الإنسان في قلب كل تصميم وتطوير، والتأكد من أن التكنولوجيا تخدم الجميع دون تمييز أو استثناء.
من هذا المنطلق، يجب على المؤسسات الوطنية والدولية التعاون بشكل فعال لإرساء قواعد قانونية وأخلاقية صارمة، إلى جانب نشر الوعي بين الجمهور حول حقوقهم في العصر الرقمي.
يبقى الذكاء الاصطناعي قوة تغيير هائلة، لكن قوته هذه يجب أن تكون محكومة بضوابط تضمن احترام الكرامة الإنسانية والحقوق الأساسية. دعوة أمينة بوعياش إلى دمج القانون الدولي لحقوق الإنسان في سياسات الذكاء الاصطناعي ليست مجرد مطلب قانوني، بل هي دعوة إلى وضع رؤية إنسانية لمستقبل تكنولوجي أفضل يخدم البشرية جمعاء.
فاطمة الزهراء الجلاد.