
في الساعة التاسعة مساءً من السبت الماضي، كانوا المغاربة على موعد هام وتاريخي الذي خطف أنظار الإعلام المحلي والعربي والدولي، وهو الخطاب الملكي المتلفز الذي أجراه ملك المغرب محمد السادس، بمناسبة الذكرى ال24 لتربع جلالة الملك على عرش البلاد.
وتضمن نص الخطاب رسائل عديدة كانت “الجدية” عنوان لها، حيث أكد الملك محمد السادس في خطابه أن “كلما كانت الجدية حافزنا، كلما نجحنا في تجاوز الصعوبات، ورفع التحديات” مشيرا أن “فقد قدم أبناؤنا، بشهادة الجميع، وطنيا ودوليا، أجمل صور حب الوطن، والوحدة والتلاحم العائلي والشعبي، وأثاروا مشاعر الفخر والاعتزاز، لدينا ولدى كل مكونات الشعب المغربي”.
وتطرق العاهل المغربي في هذا الخطاب إلى العديد من الأمور الهامة والتي تكتسي طابع الجدية، كما أنها تعتبر مستقبل المغرب سواء من الناحية الرياضية والسياسية والاقتصادية.
العمل والجدية
قال المحلل السياسي محمد شقير أن:”العاهل المغربي ذكر في بداية خطابه بأن التلاحم والتجاوب بين العرش والشعب أدى إلى إقامة دولة أمة مغربية عريقة في القدم بالإضافة إلى أن تشبث المغاربة بمجموعة من القيم كالتسامح والصدق والتفاؤل وبالاخص الجدية والتفاني في العمل من تحقيق العديد من المنجزات ومواجعة الكثير من الصعاب.”
وأوضح محمد شقير في تصريح لجريدة Le7tv أن:”العاهل المغربي أكد على الجدية كعامل أساسي سواء في تحقيق بعض المنجزات سواء على الصعيد الرياضي من خلال تأهل المنتخب المغربي الأدوار النهائية بقطر أو الترشح لتنظيم كأس العالم بشكل غير مسبوق قد يجمع بين القارة الأوربية والافريقية أو على الصعيد الصناعي من خلال صنع سيارة مغربية محلية”، مردفا أن:”على الصعيد السياسي تم إحراز العديد من الاعترافات من قبل الدول بمغربية الصحراء”.
واستطرد المتحدث نفسه أن:”بهذا الجدية ينبغي استشراف المستقبل لانجاز المسار التنموي الذي انتهجه المغرب من خلال ضخ هذه الجدية ليس فقط في الحياة السياسية أو الإدارية أو القضائية بل أيضا في الحياة الاقتصادية من خلال إشاعة الثقة واستثمار الفرص من طرف الفاعلين الاقتصاديين” موضحا أن”بهذا المنطلق دعا الملك حكومة أخنوش إلى الاسراع لتنزيل برنامج عرض المغرب في مجال الهيدروجين الأخضر واستعمال ورش الحماية الاجتماعية وتدبير الموارد المائية محذرا بأنه لن يكون هناك أي تساهل فيما يتعلق بأي شكل من أشكال سوء الحكامة والاستعمار اللامسؤول لهذه الموارد”.
وأردف محمد شقير أن:”الملك دعا في مواجهة ما يشهده العالم من اهتزاز قيمي بتشبث المغاربة بأربع ثوابت سياسية من تمسك بالقيم الدينية والوطنية والتشبث بالوحدات الوطنية وصيانة الروابط الاجتماعية مع مواصلة المسار التنموي في كل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، ليتم التأكيد في نهاية الخطاب على جمانة الجزائري بأن المغرب لن يشكل خطرا بالنسبة للبلد الجار وأنه يواصل سياسة اليد الممدودة في تعامله مع الجزائر”.
الشباب والاستثمار
أما الخبير الاقتصادي رشيد ساري قال أن:”الخطاب الملكي جاء بعنوان عريض الجدية في تطبيق مجموعة من البرامج والحكامة، وأظن أن هناك مجموعة من الأسس التي ركز عليها الخطاب وهو تشجيع الشباب يعني الاهتمام بالعامل البشري، وركز على الاستثمارات في مجالات مهمة واستراتيجية للمملكة نظرا للتقلبات المناخية، كإستراتيجية 2020 -2027 الذي خصص له غلاف مالي يقدر 150 مليار درهم لتحلية مياه البحر والحكامة وضرورة الحكامة في استهلاك الماء.
وأكد رشيد ساري في حديثه مع جريدة LE7TV أنه:”كان الحديث على مجموعة من الإنجازات التي حققتها المملكة بفضل الشباب، كتأهل إلى نصف نهائي كأس العالم لكرة القدم، وكذلك الانتاجات المحلية للسيارات المغربية بعلامات مغربية، وأيضا صناعة سيارات بالهيدروجين الأخضر من طرف طاقات شابة، كما اصر صاحب الجلالة على ضرورة تفعيل الحكومة مشروع الهيدروجين الأخضر”.
وأضاف أيضا أن:”الاجتماع الوزاري الذي عقد بهدف الاستثمار لمكتب الشريف للفوسفاط، والذي حدد له مبلغ مالي قدره 140 مليار درهم، وهي بعنوان عريض الاقتصاد الأخضر في مجال الأسمدة والامونياك الأخضر وتحلية مياه البحر”.
الحكامة المائية
“لقد ساهمت تداعيات الأزمة التي يعرفها العالم، وتوالي سنوات الجفاف، على المستوى الوطني، في ارتفاع تكاليف المعيشة، وتباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي” بهذه العبارة عبر الملك محمد السادس عن الوضع الحالي للمملكة المغربية الذي خلفته الأزمة المائية نتيجة الجفاف الوطني.
وزاد أيضا “وجهنا الحكومة لاتخاذ التدابير اللازمة، قصد تخفيف آثارها السلبية على الفئات الاجتماعية والقطاعات الأكثر تضررا، وضمان تزويد الأسواق بالمنتوجات الضرورية”.
وفي هذا الصدد قال محمد بنعبو خبير في المناخ والتنمية المستدامة أن:”ملك المغرب يدعو إلى التعامل بالجدية والحكامة الجيدة في التسيير في مواجهة أزمة الماء وينبه إلى عدم التساهل مع التبذير والاستعمال الفوضوي واللامسؤول لهذه المادة الحيوية عبر القطع مع كل أشكال التبذير، والاستغلال العشوائي وغير المسؤول”.
وأكد محمد بنعبو في تصريحه لجريدةLe7TV أن:”المغرب يشتغل على إنجاز العديد من المشاريع على الصعيد الوطني التي تهدف إلى تحقيق الأمن المائي والأمن الغذائي في إطار البرنامج الوطني للماء الصالح للشرب ومياه السقي الذي يعتبر خارطة طريق لتجاوز مرحلة ندرة المياه، برنامج وطني يتطلب المزيد من التتبع والمراقبة في جميع مراحل إنجازه لتحقيق الأهداف المنشودة”.
نية المونديال
ولم يفوت الملك محمد السادس الفرصة في خطابه للحديث عن إنجاز الأسود وربطه ب”الجدية” والمثابرة، كما جاء في أسطر الخطاب “الشباب المغربي، متى توفرت له الظروف، وتسلح بالجد وبروح الوطنية، دائما ما يبهر العالم، بإنجازات كبيرة، وغير مسبوقة، كتلك التي حققها المنتخب الوطني في كأس العالم”.
قال منصف اليازغي الباحث في السياسات الرياضية أن:”عندما يشير صاحب الجلالة في خطابه بمناسبة عيد العرش إلى الرياضة بشكل عام وكرة القدم بالخصوص، ذلك يوضح أنها أصبحت من بين استراتيجيات الدولة وضمن اهتمامتها الكبرى، لتقديم صورة مشرفة في الخارج”.
وأضاف منصف اليازغي في حديثه مع LE7TV أن:”هذا الأمر ربطه الملك بقوة الشباب وقدرتهم على تحقيق المستحيل وتحقيق أحلامهم، مقدما نموذجا حيا وهو الإنجاز التاريخي بدولة قطر الذي حققه المنتخب المغربي، هذا المعطى يحيلنا على أن الدولة اقتنعت بدور كرة القدم، وأيضا اقتنعت بالاستثمار الذي تم في السنوات الأخيرة والذي أعطى أكله، لأن أي عمل يأتي وراءه نتيجة”.
واستكمل الباحث في السياسات الرياضية أن:”الدولة تحاول تأكيد واستثمار في الإنجازات الأخيرة وما تحقق مؤخرا ونسخه على باقي المجالات الأخرى، مقدما في خطابه على أن الشباب المغربي هو نموذج يحتذى به في جميع القطاعات”.
واختتم اليازغي حديثه أن:”هناك مسار آخر انطلق قبل 34 سنة، وهو تنظيم كأس العالم لكرة القدم، الذي أصبح حلما يراود المغرب شعبا وحكومة، ويأتي الملك في خطابه ليؤكد أن هذا الترشيح له أبعاد جيوستراتيجية وامتدادات كبرى ستكون تاريخية بمختلف أبعادها”.