“سدود الأمل: مراكش آسفي تُشيد قلاع الماء في وجه الجفاف والتغير المناخي”

في خضم التحديات المناخية المتزايدة والضغط المتنامي على الموارد المائية، تقف جهة مراكش آسفي كمثال حي على الجهود الوطنية الرامية إلى ضمان الأمن المائي وتحقيق تنمية مجالية مستدامة. فهذه الجهة، التي يرتكز اقتصادها على الفلاحة والسياحة والصناعة التقليدية، تعيش منذ سنوات على وقع شُح التساقطات وتراجع الفرشات المائية، ما دفع إلى اعتماد سياسة طموحة ومندمجة لبناء سدود استراتيجية، بتوجيهات ملكية سامية.
منذ أن كانت الجهة تتوفر فقط على سدي للا تاكركوست ومولاي يوسف، ظهرت الحاجة الملحة إلى منشآت مائية إضافية تكون قادرة على تلبية الحاجيات المتزايدة للسكان والقطاع الفلاحي، فضلاً عن تعزيز الوقاية من الفيضانات. وهكذا، انطلقت دينامية جديدة منذ 2005، بدأت بسد سيدي محمد الجزولي، الذي مكّن من تزويد مناطق تمنار والنواحي بالماء، وتوالت بعدها المشاريع الكبرى التي كان لكل واحد منها دور محوري في تغيير وجه الجهة.
ومن بين أبرز هذه السدود، نجد سد مولاي يعقوب المنصور على واد نفيس، الذي عزز تزويد مراكش الكبرى بالماء الشروب، وسد أبي العباس السبتي الذي دشنه الملك محمد السادس سنة 2014، لتعزيز السقي وحماية دواوير ومراكز إقليم شيشاوة من الفيضانات. ويعد سد مولاي عبد الرحمان، بسعة 65 مليون متر مكعب، من الإنجازات البارزة التي عززت التزود بالماء الشروب بمدينة الصويرة والمناطق القروية المجاورة.
أما سد واكجديت، فقد أنشئ بإقليم الحوز ليقوم بدور وقائي استراتيجي ضد الفيضانات التي قد تُهدد مدينة مراكش وبنياتها التحتية. هذا التوجه الوقائي لم يكن يوماً ترفاً، بل ضرورة ملحة في منطقة يمكن أن تتحول فيها الأمطار الغزيرة إلى كوارث إن لم تُواكبها بنية تحتية قوية.
الرهان لم يتوقف عند الإنجازات السابقة، بل امتد إلى المستقبل من خلال البرنامج الوطني 2020-2027، الذي يضم مشاريع طموحة كسد آيت زياد الضخم بسعة 186 مليون متر مكعب، وسد بولعوان بإقليم شيشاوة، المخصص لسقي 2000 هكتار، وسد تاسا ويركان الذي انطلقت أشغاله بعد زلزال 2023، ليُصبح رمزاً لصمود الجهة ورافعة للسياحة القروية.
وفي موازاة ذلك، تعرف الجهة إنجاز 16 سداً تلياً، أبرزها سد أولاد سالم بآسفي، ما يكرس توجهاً نحو تدبير لا ممركز للماء، يراعي خصوصيات كل منطقة. كما تراهن الجهة على المياه غير التقليدية كحلول مستقبلية، من خلال تحلية مياه البحر وإعادة استعمال المياه العادمة، من أجل تخفيف الضغط على الفرشات وضمان استمرارية التزويد.
إن ما تقوم به جهة مراكش آسفي ليس مجرد تشييد سدود، بل هو تجسيد فعلي لرؤية استراتيجية شاملة، ترتكز على تأمين الماء كحق أساسي، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مع حماية الإنسان والمجال. في زمن التغيرات المناخية، تُبنى قلاع الماء على صخر الإرادة، وتُروى أحلام المستقبل بقطرات من التخطيط والالتزام.