مجتمع

حينما انقطع الإنترنت… وانقطع معه صوت “أورنج”: صمت تقني في زمن الصخب الرقمي !

في زمنٍ صار فيه العالم لا يتنفس إلا عبر الألياف البصرية، وجد ملايين المغاربة أنفسهم، فجأة، في عزلة رقمية خانقة. شاشة سوداء، إشعارات لا تصل، مكالمات لا تُجرى، ودروس واجتماعات تتحوّل إلى مواعيد مهدورة في الفراغ. السبب؟ عطب كهربائي في إسبانيا والبرتغال. المتهم؟ هشاشة البنية الرقمية. المتفرّج الصامت؟ أورنج المغرب.

لكن المصيبة لم تكن فقط في الانقطاع… بل في الانقطاع الآخر، ذاك الذي لم يره أحد: انقطاع التواصل، التفاعل، التوضيح. وكأن الشركة، بمجرد ما انطفأت الشبكة، أغلقت فمها ونامت في العتمة. تغريدة يتيمة على “إكس” قالت فيها ما معناه: “راه بدات ترجع شوية بشوية، الله يجيب الشفاء.” ثم؟ لا رقم طوارئ، لا بيانات دقيقة، لا اعتذار، لا حتى مجاملة شكلية.

في خضم الأزمة، كانت الأسر تعاني، والتجار يتخبّطون، والطلبة يحاولون تفسير ما يحدث دون تفسير. وفي الجهة الأخرى، شركة بحجم “أورنج” تتفرّج على شاشات الزبناء تتجمد، وهي تغطّ في سبات خدمة ما بعد البيع. فهل كُتب على المغاربة أن يعيشوا انقطاع الإنترنت كما يعيشون انقطاع الماء والكهرباء… دون صوت، دون رد، دون اعتبار؟

ليس الأمر جديداً. فمنذ سنوات، صار زبناء أورنج يعرفون أن الأعطاب تأتي دون سابق إنذار، وتذهب دون تفسير، وإن تجرأ أحدهم واشتكى، وجد أمامه جداراً من الرسائل الجاهزة، والوعود الباهتة، والوعود التي لا تتحقق. لقد تحوّل الإهمال إلى عادة، والصمت إلى سياسة، والشفافية إلى ترف لا يُمنح.

هل يُعقل أن تكون شبكة وطنية بهذا الهشاشة؟ أن تسقط كبيت من ورق بسبب خلل خارج الحدود؟ أين خطط الطوارئ؟ أين الاحتياط والتكرار والربط البديل؟ والأهم، أين احترام ذكاء المواطن؟ نحن في 2025، ولسنا في زمن البرقيات.

في أزمة كهذه، لا يكفي أن تُرمم الكوابل. ما يحتاج إلى ترميم هو العلاقة مع المواطن. هو الثقة التي اهتزت. هو الإحساس بأنك لست مجرد رقم زبون في قاعدة بيانات، بل فرد في مجتمع رقمي له الحق في المعلومة والاحترام والوضوح.

“أورنج المغرب” اليوم مطالبة بأكثر من إصلاح تقني. هي مطالبة باعتذار حقيقي. بمحاسبة داخلية. بحملة توضيحية لا تسوّق فيها نفسها كضحية، بل تتحمّل فيها مسؤولية غيابها عن المشهد وقت الأزمة. ومطلوب من الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات (ANRT) أن تتحرك، أن تسائل، أن تحاسب، وأن تفرض معايير صارمة تحفظ كرامة المستهلك، لا فقط إشارات الويفي.

في زمن الاتصال، قطع الإنترنت ليس فقط انقطاعاً عن العالم. هو انقطاع عن الكرامة، عن المصداقية، عن الحد الأدنى من الاعتراف بالآخر. والمغاربة، ببساطة، يستحقون أفضل من هذا. لأنهم، ببساطة، مواطنون رقميون… لا أشباح في شبكة منسية.

إعلان

قد يعجبك ايضا

Back to top button
Close
Close