سياسة
Le7tv.ma Send an email 23/01/2025
الشام بين أنياب الاستعمار وصمود المقاومة: تحليل سياسي يستند إلى رؤى عبد الصمد بلكبير

لطالما كانت منطقة الشام محط أطماع القوى الاستعمارية عبر التاريخ، ولا تزال اليوم تجسد ساحة للصراع والتنافس الدولي. وفي ظل الأحداث الجارية، يقدم المحلل السياسي عبد الصمد بلكبير قراءة عميقة للوضع الراهن في سوريا، مستندا إلى أطروحات فلسفية وتحليل تاريخي دقيق، يبرز فيها الجوانب الظاهرة والخفية للصراع.
تاريخية الصراع: موجات العدوان المتكررة
شهدت سوريا منذ العام 2011 موجة عدوانية استعمارية متعددة الأطراف، شاركت فيها أكثر من 100 دولة وحركة سياسية ودينية، إضافة إلى مئات الآلاف من المرتزقة المدعومين بميزانيات ضخمة تجاوزت 4000 مليار دولار. هذا العدوان كان جزءا من مشروع إمبريالي رجعي يستهدف كسر محور المقاومة الممتد من لبنان إلى إيران، مرورا بسوريا والعراق.
ومع كل هذه المحاولات، يرى المحلل السياسي أن سوريا قد برهنت على قدرتها على الصمود أمام أخطر حصار اقتصادي في التاريخ، والمعروف بـ”قانون قيصر”، والذي استهدف إفقار الشعب السوري وتجويعه. رغم ذلك، استطاع هذا الصمود المدعوم بتحالفات استراتيجية مع دول كإيران وروسيا، أن يوقف تمدد المشروع الإمبريالي، مانعا سقوط محور المقاومة.
الهروب التكتيكي: قراءة في استراتيجيات البقاء
من بين القضايا التي أثارت جدلا كبيرا، كان انسحاب الرئيس بشار الأسد من العاصمة دمشق. إذ يرى بلكبير أن هذا الانسحاب لم يكن هروبا كما يروج الإعلام الغربي والخليجي، بل كان تدبيرا استراتيجيا مدروسا للحفاظ على الشرعية الوطنية والدولية للرئاسة السورية، ومنع تدمير مدينة دمشق، أقدم مدينة مأهولة في التاريخ.
يشبه عبد الصمد بلكبير هذا التصرف بما قام به خالد بن الوليد في معركة مؤتة، حيث أنقذ من تبقى من جيش المسلمين بانسحاب تكتيكي، دخل به التاريخ كأحد أعظم القادة العسكريين. كما يقارن هذا النهج بما فعله السلطان مولاي عبد الحفيظ في المغرب، حين فضل التضحية بالسيادة للحفاظ على وحدة المملكة.
التناقضات الداخلية والخارجية
أشار بلكبير إلى أن القوى الدولية والإقليمية التي اجتمعت على ضرب سوريا تعاني تناقضات حدية تجعل من استمرار تحالفها أمرا مستحيلا. فالولايات المتحدة تسعى لتأسيس دويلة كردية تخدم مصالحها في المنطقة، ما يهدد بتفكيك تركيا وإثارة صراعات إقليمية جديدة. أما تركيا، التي تتبنى أطماعا عثمانية جديدة، فتجد نفسها عالقة بين مصالحها الوطنية والضغوط الدولية.
الشام: مفتاح النهوض العربي أم بوابة الفوضى؟
يتساءل بلكبير: هل يمكن أن تتحول الأوضاع في الشام إلى فرصة لتحقيق وحدة حقيقية تعيد للمنطقة مكانتها التاريخية؟ أم أن السيناريو الأسوأ المتمثل في حرب أهلية طويلة سيصبح واقعا؟ يرى أن الأمل يكمن في تحويل شعار “تحرير الشام” إلى مشروع عملي على الأرض، يوحد القوى الشعبية في مواجهة الأطماع الاستعمارية.
ورغم الظروف الصعبة، حققت سوريا إنجازات غير مسبوقة في تاريخها الحديث، من احتضان اللاجئين الفلسطينيين ومنحهم كامل الحقوق، إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، وتعريب التعليم، وتوفير الخدمات الأساسية بالمجان. كما كانت الدولة الوحيدة التي حافظت على البذور الأصلية للحبوب، في خطوة تهدف لحماية الأمن الغذائي الوطني والعالمي.
بينما يتواصل الصراع، تبقى سوريا رمزا للصمود والتحدي في وجه أطماع القوى الإمبريالية. ومع أن المشهد الراهن مليء بالتعقيدات، فإن التاريخ يثبت أن التغيير لا يأتي إلا من رحم الصراعات. فإما أن يتحول الشام إلى منارة لوحدة عربية جديدة، أو أن يستمر الاستنزاف والفوضى، مع كل ما يترتب على ذلك من تداعيات إقليمية ودولية.
فاطمة الزهراء الجلاد.