سياسة

هل يتحول التنافس بين الجزائر والمغرب إلى تعاون بناء يخدم مصالح دول الساحل الإفريقي؟

يشهد الساحل الإفريقي تحولا تدريجيا إلى ساحة تنافس استراتيجي بين الجزائر والمغرب، حيث تسعى كلتا الدولتين إلى تعزيز نفوذهما في هذه المنطقة التي تكتسب أهمية جيواستراتيجية بالغة. يمثل هذا التنافس تحديًا سياسيًا واقتصاديا وأمنيا، وهو ما دفع “مجلة جون أفريك” الفرنسية إلى تسليط الضوء على أبعاده، مشيرة إلى الأهداف المختلفة التي يسعى كل طرف لتحقيقها في هذه المنطقة.
التنافس التاريخي وتوسع رقعة الصراع
منذ عقود، كانت الصحراء الغربية هي النقطة الساخنة في العلاقات الجزائرية المغربية، إلا أن هذا التنافس قد تجاوز حدود هذه القضية ليشمل منطقة الساحل. تعتبر هذه المنطقة بالنسبة للجزائر امتدادا طبيعيا لنفوذها الجغرافي والأمني، بينما يسعى المغرب إلى توسيع تأثيره الدبلوماسي والاقتصادي في هذه البقعة الحيوية من القارة الإفريقية. في السنوات الأخيرة، انحسر الدور الجزائري في الساحل، وهو ما فتح المجال أمام المغرب لتحقيق تقدم ملحوظ، معتمدا على ما وصفته المجلة بـ”القوة الناعمة” من خلال مشاريع تنموية متعددة.
الجزائر: محاولات لاستعادة النفوذ عبر مشاريع اقتصادية وأمنية
تسعى الجزائر إلى استعادة مكانتها في منطقة الساحل من خلال جملة من المبادرات الاقتصادية والأمنية. في فبراير 2024، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن خطة لإنشاء مناطق حرة مع دول الساحل مثل مالي والنيجر، بهدف تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي. بالإضافة إلى ذلك، تدعم الجزائر مشاريع بنية تحتية استراتيجية مثل الطريق العابر للصحراء، الذي يربط ست دول إفريقية، ومشروعات أخرى مثل خط أنابيب الغاز العابر للصحراء الذي يهدف إلى تعزيز الربط بين الجزائر ودول الساحل في قطاع الطاقة.
إلا أن الجزائر تواجه تحديات كبيرة في هذا السياق، من بينها الانتقادات التي توجه إليها من قبل بعض الحكومات الساحلية، خاصة مالي، التي اتهمتها بإيواء انفصاليين طوارق ودعم شخصيات معارضة، ما أدى إلى توترات في العلاقات بين الجزائر وهذه الدول.
المغرب: تعزيز النفوذ عبر القوة الناعمة والشراكات الاقتصادية
من ناحية أخرى، يعتمد المغرب على استراتيجية متعددة الأبعاد لتعزيز نفوذه في الساحل الإفريقي، من خلال تطوير شراكات اقتصادية وثقافية مع دول المنطقة. في نونبر 2023، أطلق جلالة الملك محمد السادس مبادرة تهدف إلى تعزيز وصول دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، وهي خطوة تعكس رؤية المملكة للتوسع في المنطقة. كما نظمت الرباط اجتماعا وزاريا لمناقشة سبل التعاون الإقليمي بين المغرب ودول الساحل.
المغرب يعتمد أيضا على مشروعات تنموية تساهم في تعزيز حضوره في المنطقة، مثل إنشاء مستشفيات وعيادات طبية، بالإضافة إلى إنشاء مؤسسات تعليمية وتدريب الأئمة من دول الساحل. إلى جانب هذه المبادرات، يستثمر القطاع البنكي المغربي بشكل مكثف في المنطقة، مما يعزز من مكانة المملكة كقوة اقتصادية مؤثرة.
التنافس على الطاقة: مشروع خط أنبوب الغاز
يعد مشروع خط أنابيب الغاز الذي يربط المغرب بنيجيريا عبر الساحل من أبرز المشاريع الاستراتيجية في المنطقة. هذا المشروع يمثل منافسا رئيسيا لخطة الجزائر الخاصة بمد خط أنابيب غاز عبر النيجر. ورغم التحديات الكبيرة التي تواجه تنفيذ كلا المشروعين، إلا أن المغرب حقق تقدما ملحوظا في هذا السياق، حيث حصل على موافقات دولية ويخطط لتوقيع اتفاقات رسمية بحلول منتصف عام 2025، مما يعزز موقفه في سوق الطاقة الإفريقي.
دعوات للتعاون في ظل التنافس المتصاعد
ورغم حدة التنافس بين الجزائر والمغرب، فقد دعت الباحثة دجانابو سيسي من مؤسسة البحث الاستراتيجي في باريس إلى ضرورة وقف سياسات التنافس في الساحل، مشيرة إلى أن دول المنطقة بدأت تسعى بشكل متزايد إلى تنويع شراكاتها وتحقيق استقلالية في قراراتها، بعيدا عن الهيمنة الخارجية. هذه التوجهات تشير إلى رغبة متزايدة لدى دول الساحل في تقليل اعتمادها على القوى الكبرى وفتح آفاق تعاون جديدة تحقق مصالحها الوطنية.
 أفق التعاون أم استمرار الصراع
في خضم هذا التنافس الاستراتيجي المعقد، يبقى السؤال الأبرز: هل يمكن أن يتحول هذا التنافس بين الجزائر والمغرب إلى تعاون بناء يخدم مصالح دول الساحل الإفريقي؟ أم سيستمر كصراع مفتوح له تداعيات سلبية على استقرار المنطقة؟ كل ذلك يتوقف على القدرة السياسية والديبلوماسية للطرفين على إيجاد حلول توافقية، فيما تبقى الدول الإفريقية في الساحل تتطلع إلى تحقيق استقرار دائم يعزز من مصالحها الأمنية والاقتصادية بعيدا عن التدخلات الخارجية.
فاطمة الزهراء الجلاد.

إعلان

قد يعجبك ايضا

Back to top button
Close
Close