سياسة
الصراع الدولي وأثره على الأوضاع السياسية في منطقة الساحل والصحراء
Le7tv.ma Send an email منذ 17 ساعة
في ظل التحولات الجيوسياسية التي يشهدها العالم الراهن، باتت الأوضاع السياسية أكثر تعقيدا وتشابكا، ما يجعل تحليل أسبابها ومآلاتها أمرا بالغ الصعوبة. إلا أن هذا التعقيد الظاهري يخفي خلفه أنماطا واضحة من التنافس والصراع على المستويين الإقليمي والدولي، خاصة في منطقة الساحل والصحراء. يعتبر فهم الديناميكيات الداخلية للقوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، مفتاحا رئيسيا لفهم المشهد السياسي العالمي وتأثيراته على هذه المنطقة.
منذ سقوط جدار برلين، برزت الولايات المتحدة كقوة مهيمنة على النظام العالمي، حيث باتت سياساتها الداخلية والخارجية تؤثر بشكل مباشر على استقرار العالم. فإن التناقض الأساسي داخل أمريكا يكمن بين المجمع الصناعي الحربي والمجمع الصناعي المدني. فالأول يسعى لاستمرار الحروب كوسيلة لتوسيع الأسواق وترويج الأسلحة، بينما يميل الثاني إلى الابتعاد عن النزاعات المسلحة وتبني سياسات أكثر استدامة. هذا التناقض ينعكس بشكل كبير على سياسات واشنطن في مناطق النزاع، مثل الساحل والصحراء.
وفي هذه المنطقة، استخدمت الولايات المتحدة، وفق استراتيجياتها المختلفة، أدوات متباينة لتحقيق أهدافها. ففي حين دعمت الصراعات الحدودية والنزاعات المحلية عبر التلاعب بالقوى الإقليمية، مثل الجزائر، لتوظيفها في صراعات تخدم أجندتها، عملت في الوقت نفسه على تعزيز علاقاتها مع المغرب كحليف استراتيجي، مستفيدة من استقراره السياسي ودوره المحوري في المنطقة.
الصحراء الغربية والصراع الإقليمي
يعتبر النزاع حول الصحراء الغربية من أبرز الأمثلة على استراتيجيات التدخل الأمريكي في المنطقة. فبينما دعمت الولايات المتحدة “البوليساريو” بشكل غير مباشر من خلال تمكين الجزائر، سعت لاحقا إلى إعادة ترتيب أولوياتها الاستراتيجية عبر دعم المغرب. هذا التحول يعكس توافق المصالح بين المغرب والولايات المتحدة خلال فترة إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، حيث تم الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء مقابل تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني بين البلدين.
دور المغرب في استقرار المنطقة
أثبت المغرب قدرته على أن يكون شريكا موثوقا في تحقيق الاستقرار الإقليمي، حيث لعب دورا رائدا في مواجهة الإرهاب وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في منطقة الساحل والصحراء. علاوة على ذلك، أظهر المغرب مرونة سياسية واقتصادية جعلته محورا استراتيجيا في العلاقات الدولية، خاصة مع القوى الغربية مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
الجزائر بين الرهانات والتناقضات
على الجانب الآخر، يبدو أن الجزائر اختارت الانخراط في استراتيجية المجمع الصناعي الحربي الأمريكي، ما جعلها تواجه تحديات داخلية وخارجية. فبدلا من تبني سياسات تعاونية مع دول الجوار، اعتمدت الجزائر على سياسات دفاعية انعزالية، مما أضعف مكانتها الإقليمية وعمق الخلافات مع المغرب. كما أن انخراطها في الصراعات الإقليمية، سواء في مالي أو ليبيا، زاد من تعقيد المشهد السياسي، وجعلها أداة في يد القوى الكبرى لتحقيق مصالحها.
إن فهم الأوضاع السياسية في منطقة الساحل والصحراء يتطلب قراءة دقيقة لديناميكيات القوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة، وتأثير تناقضاتها الداخلية على سياساتها الخارجية. وبينما يظل المغرب نموذجا للسياسة الحكيمة والتخطيط الاستراتيجي، تبدو الجزائر عالقة في رهانات فاشلة أثرت سلبا على استقرار المنطقة. لذلك، فإن المستقبل يتطلب تعزيز التعاون الإقليمي والتخلي عن السياسات العدائية، لتحقيق السلام والتنمية المستدامة في هذه المنطقة الحيوية.
فاطمة الزهراء الجلاد.