قلنا القليل … عن مقاطعة المنتوجات

فجأة انبعث صوت النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعية مجلجلا بعد صمت طويل صال فيه الفساد وسوء التدبير والإقصاء والتهميش وعربد, تاركا خلفه شعب يئن تحت وطأة وضع لا يحسد عليه, وضع يثير شفقة العدو قبل الصديق, ويستذرف بدل الدموع دماء, ويجعل المتتبع يضع في الاعتبار أنه أمام حياة منكوبة بكل المقاييس, مع فارق التميز عن الطبقات المنكوبة بغياب الأهل والنديم والوطن, وافتقاد البواكي الذين من شأن بكائهم المتصاعد أن يلفت الأنظار إلى حال المواطن المقهور، وهو ما أعطى الضوء الأخضر للبغاث (السياسي) بأن يستنسر, مع إحساسه اليقيني بفائض قيمة ثقة بأن طائر فينيق اليتيمة لن يقوم من رماده مهما عثا الفساد وتجبر…لكن نسي هذا البغاث أن التمادي في سلك الطريق الوعر لا يمكن أن يسلمه دائما إلى بر الأمان، وأن الإنسان مهما سكت عن الظلم والفساد ستأتي اللحظة الفارقة التي لا يكمن له فيها أن يستمر ملجما نفسه بزمام الصمت المريب…
في هذا السياق تأتي صرخة أبناء الشعب المغربي لتقول: “قاطع يا مواطن المنتوجات” كفى عبثا، تعبنا من السكوت ولم تتعبوا أنتم من استحمارنا و تدبير جافي لسياسة التعامل معنا كبشر لا كحيوانات، حيث تساءل النشطاء الداعين للمقاطعة، عن سر صمت المنابر الاعلامية عن الحملة ؟
هل صحيح المنابر الاعلامية صوت حر للمواطن ؟
كما وضعت هذه الصفحات أسئلة قلقة حول سر امتناع الفنان المغربي عن التضامن مع أبناء الشعب؟
أشد على أيدي الداعين للمقاطعة بحرارة، والتمس منهم أن تأخذ الحملة بمبدأ طول النفس، وأن يجعلوا مصلحة أبناء الشعب فوق كل اعتبار، وليعلم السادة ممثلو الشركات أن العبرة بالخواتم، وأن نجاح الشركات او فشلها رهين بأيدي الشعب، حيث لن يهدأ لهم بال حتى يجعلوا المقاطعين طرائق قددا، ويمزقوا وحدتهم الجنينية إربا إربا ليخلو لهم وجه الربح ويتخلصوا من كل المشوشات التي من شأنها التشويش على ميولاتهم الافتراسية، كما فعلوا مع المهداوي و توفيق بوعشرين و أخرين، وما أكثر الوسائل والطرق بهذا الصدد، لكن إذا صدقت النيات، وتحلى كل فرد منهم بالوطنية الصادقة، وأثر الوطن، وهذا الشبر من الوطن على فتات تذروه الرياح، حينئذ لن تؤتي مساعي الهدم أكلها وسينتصر الوطن و أبناء الوطن، وتنتصر قيم الوفاء والإخلاص والثبات على المبدئ، وستكونو آنئذ تيجانا فوق رؤوسنا جميعا.
فسلام عليكم ما دمتم مجتمعين على كلمة الوطن، وبعدا وسحقا لسياسين الذين نكؤوا جراحنا وملؤوها بكؤوس الملح الأجاج غير عابئين بألمنا وصياحنا وتوسلاتنا، ولكي لا أنسى أن المشكلة الأخطر من تلك الآثار التي يخلفها غضب الشعب عن الشركات ، هي في الصمت المنابر الاعلامية عليه.
لنتسائل هنا، هل ستخسر المنابر الاعلامية صديقا وفيا بسبب ايصال صوت المقاطعة للرأي العام ؟
وأقول لزملائي الذين يمارسون مهنة السير في حقل من الألغام لا نعرف متى ستنفجر … الصمت وعدم الإبلاغ هو أيضاً من قبيل عدم العمل بما جاءت به السيرة الكريمة من الأمر، بتغيير المنكر، وأوضحت طرقه التي تبدأ باليد وهذه بالطبع لولاة الأمر، والثانية باللسان وهي الطريقة الحضارية التي لجأ اليها أبناء الشعب، أما الإنكار بالقلب فقط، فلا يستقيم مع الأمور، كونه يسمح بتفشي الفساد، أكثر وأكثر.
أخيرا أقول لمن أغضبهم شق حملة المقاطعة عصا طاعتهم: التقطوا الإشارة، وعالجوا الموقف قبل فوات الأوان، فاليوم تحركت صفحات المواقع الافتراضية، وغدا سيزحف على عرش مكاتبكم عشرين ألف مواطن مدججين بإحباط زرعتموه فيهم سنوات متتالية، دون أن تؤنبكم ضمائركم، ودون أن تذكركم عقولكم أن زرعكم هذا سينبت غضبا ساطعا لن يستطيع أحد منا وقفه، فلتزرعوا الأمل في النفوس والسلام، وتلك هي أمنيتنا جميعا.