مجتمع

وداعا عدنان.. نحن آسفون حقا لأننا لم نسمع صراخك.. لقد أُصبْنا بالصّمم قبل سنوات بعيدة يا طفلي “والله ياخذ الحق”

حمزة لخضر يكتب..

كان انتظارًا أليمًا..

كان انتظارًا طويلا..

ثم حين جاء الخبر..جاء كالصاعقة..

نعم لقد وجدوا الطفل الغائب..لقد عاد عدنان..لكنه لم يعد على قدمين ثابتتين..بل عاد من حفرة كانت قبره الذي ربما لعب بجانبه ذات يوم..ذلك أن الحفرة حيث وجدت جثته كانت قريبة من بيته الذي انتظره لأربعة أيام قبل أن يعود على شكل خبر عاجل تتناقله وسائل الإعلام..والأخبار العاجلة في زماننا هذا لا تأتي دائما كما نشتهيها بل تأتي كما يشتهيه صُنَّاعها..صُنّاع الموت..أعداء الجمال..قتلة زهور الحديقة..الإرهابيون..

خرج عدنان من بيت أسرته ليشتري الدواء..قبل أن يصادف الدَّاء في هيئة بشر مختبئا تحت جلد بني آدم..لا أنياب له ولا أظافر وتحت لباسه الطويل أخفى ذيل الشيطان..ليقوده إلى حتفه..
مرت أربعة أيام طويلة على الأسرة المكلومة فقدت فيها الأم كل صبر لمعرفة ما حدث مع فلذة كبدها فيما ظهر الأب متوسلا المغاربة ليبحثوا معه عن قلبه الذي خرج من قفص صدره دون أن يعود..
أخيرا الشرطة تفك لغز اختفاء هذا الطفل وتنجح في كشف هوية خاطفه ومغتصبه وقاتله والذي قام بدفنه أمتارا قليلة عن بيته..
نعم هكذا وبكل برودة و وحشية وتجرد من كل القيم الإنسانية والآدمية لم يكتفي بخطفه ولا باغتصابه ولا حتى بقتله بل دفنه قريبا من مسكنه، حيث تطل والدته من النافذة منتظرة عودته فيما ابنها مدفون بالقرب منها..
أي جريمة أكثر بشاعة من هذه..؟
وأي شعور بالألم قد يضاهي شعور هذا الوالد المكلوم وتلك الأم المصابة في كبدها..؟

لقد عُثر أخيرا على الطفل عدنان، عُثر عليه في قبر صغير يحتوي جسده الصغير..لكنه كان عاجزا تماما عن احتواء أمنياته الكبيرة وابتساماته التي رافقته في كل مرة قابل فيها شخصا كبيرا كان أم صغيرا..
الآن وقد رحل عدنان صار لزاما علينا أن نعيد صياغة قانون جديد ورادع ضد كل من تسول له نفسه اغتصاب طفل أو حتى الاقتراب منه، بل وصار لزاما أن ندخل في نقاش صريح مع أبنائنا وبناتنا وأن نساهم في رفع درجة الوعي لديهم بخطورة الأمر وهذا لا يمكنه أن يتجلى على أرض الواقع إلا من خلال الأسرة نفسها والمنظومة التربوية والتعليمية وكذلك الإعلام خصوصا البرامج الخاصة بالأطفال مع الحرص على مراقبتهم خارج البيت ورفع أقصى درجات الحيطة والحذر في مجتمع أصبحت فيه البيدوفيليا حرة طليقة تمشي ولا نراها وتتصيد ضحاياها من فلذات كبدنا ليس فقط من أمام المدارس ولا الأحياء ولكن من باب بيوتنا حتى.

كان على رئيس الحكومة بعد أن وجه تعازيه الحارة للأسرة المكلومة أن يدعوا إلى اجتماع عاجل وطارئ، وأن يصدر أوامره إلى وزارة العدل وإلى كل المهتمين بمنظومة العدالة والقضاء ليقرروا ويسنوا قانونا رادعا، ضد هؤلاء الذين يبحثون عن لذتهم المتوحشة في الأجساد الغضة والبريئة، وحين نقول قانونا رادعا فإننا نقصد جميعا عقوبة الإعدام، دون أن تأخذ أحدًا شفقة بهؤلاء المغتصبين الذين وجب إدراجهم في خانة الإرهاب و ألا يستفيدوا من أي شيء، فمن له القدرة على اغتصاب طفل صغير وبريء قادر على استباحة وطن بأكمله وتفجيرنا وقتلنا ودفننا والتسبب لنا في الآلام..الكثير من الآلام..
وعلى الباحثين في علم الاجتماع هؤلاء الذين يختارون ملفات من خمسة نجوم ليظهروا على القنوات الفضائية اللامعة والبراقة وليتحدثوا عنها ويناقشوا سياسة البلدان الأخرى، نخبركم أن المغرب فيه من الظواهر الخطيرة ما يستدعي البحث والتحليل والنقاش وفهم ما يحصل معنا إن كنتم حقا وطنيين وإلا فلا حاجة لنا بكلمات الرثاء التي تزينون بها بروفايلاتكم عقب كل واقعة أليمة..
علينا الاعتراف أن ظاهرة اغتصاب الأطفال آخذة في الاتساع والأمر أصبح يتطلب يقظة وطنية وتعبئة بهذا الخصوص، فالأمر خطير ويتطلب التعامل معه بحذر وبسرعة ودون أدنى انتظار..
ولهؤلاء الذين كانوا دائما ما يرون في القوانين السماوية التي جاءت لتحفظ إنسانية الإنسان وأمن الإنسان وعدالة الله للإنسان لهؤلاء الذي يرون فيها عنفا مبالغا فيه نرد عليه بما قاله الدكتور مصطفى بن حمزة حين تحدث عن هذا الأمر قائلا ” أن القوانين والشرائع لم ينزلها الله ليتغزل فيها البشر ليقولوا هذه جميلة والأخرى ليست كذلك، بل إن جمال القانون يبدو في قدرته على إلغاء الجريمة والقانون الذي تفوته الجريمة وتسبقه وتطغى فوقه فاشل وإن دافعنا عنه من الصباح إلى المساء، بعيدا عن الحديث في الأسباب والنتائج والعوامل النفسية لأنها كلام فارغ ولا يجب الحديث عنها إلا حين يتعلق الأمر بالتراخي والإنسان من حقه أن يكون آمنا في وطنه وإن لم يكن كذلك فلا حياة له” إنتهى كلام الدكتور..

على السلطة التشريعية ببلادنا أن تسرع وتيرة المسطرة التشريعية لتعديل القانون من أجل تشديد العقوبات على مرتكبي جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال، وحرمانهم من الزيارات العائلية والزج بهم في السجن وجعل العالم كله يشاهد محاكمة عادلة ينطق فيها القاضي بالحكم بالإعدام على مرتكبها، دون الدخول في مسطرة حقوق الإنسان والمرض النفسي وأنه كان منعزلا في طفولته وحيدا في مراهقته، وتبا وألف تب لتلك الحقوق التي تصنع لنا متوحشين يغرسون أنيابهم في فلذات أكبادنا ويقتلوننا معهم ونحن على قيد الحياة آلاف المرات..
إنك يا عدنان بموتك قتلتنا معك آلاف المرات وستقتلنا كل يوم إن نحن لم نستطع أن نحقق العدالة لروحك ولروح الكثيرين ربما ممن قضوا هناك وراء الجبال بعيدا عن أضواء الكاميرات وميكروفونات القنوات وماتوا لوحدهم ودفنوا دون جنازة تليق بأرواحهم الصغيرة ودون حتى أن يعرف أحد هوية من سرق ضوء نهارهم.

نعتذر منك لأنك غادرت قبل أوانك..غدا نلتقيك هناك عصفورا من عصافير الجنة لتشفع لوالديك وتشفع لنا وتعذر ضعفنا وعجزنا وتتقبل اعتذارنا..اعتذارنا أننا لم نكن هناك..لنسمع صراخك..لقد أصبنا بالصمم قبل سنوات بعيدة يا طفلي “والله ياخذ الحق..”

قد يعجبك ايضا

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق