سياسةمجتمع

المغرب ومؤتمر أنفا: محطة تاريخية رسمت معالم المستقبل الجيوسياسي للمملكة

في يناير من العام 1943، استضافت مدينة الدار البيضاء حدثا تاريخيا غير مجرى الحرب العالمية الثانية وأعاد تشكيل المشهد الجيوسياسي العالمي: مؤتمر أنفا. انعقد هذا المؤتمر في ذروة الحرب، وجمع قادة الحلفاء البارزين، مثل الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، إلى جانب الجنرالين الفرنسيين شارل دوغول وهنري جيرو.
موقع استراتيجي في مفترق طرق العالم
لم يكن اختيار المغرب لاستضافة هذا اللقاء المصيري عشوائيا؛ فموقعه الجغرافي بين أوروبا وإفريقيا والأمريكيتين جعله منصة مثالية لتنسيق جهود الحلفاء. كما جاء المؤتمر بعد نجاح عملية “الشعلة” في نونبر 1942، التي شهدت إنزال قوات الحلفاء في شمال إفريقيا، وهو ما عزز أهمية المغرب كحلقة وصل استراتيجية في الحرب.
محمد الخامس: رؤية قيادية نحو الاستقلال
على هامش المؤتمر، استغل جلالة المغفور له محمد الخامس الفرصة للقاء الرئيس الأمريكي روزفلت في 22 يناير 1943، حيث عبر عن تطلعات الشعب المغربي نحو الاستقلال. كانت هذه اللحظة الفارقة بمثابة بداية تعزيز العلاقة بين المغرب والولايات المتحدة، إذ أبدى روزفلت دعما صريحا لقضية المغرب الوطنية.
لم يكن هذا اللقاء مجرد تعبير عن طموحات المملكة، بل وضع الأسس لعلاقة استراتيجية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة. ووفقا للخبير الجيو-استراتيجي الشرقاوي الروداني، فإن هذا الدعم الأمريكي لم يعزز فقط مطالب الاستقلال، بل ساهم أيضا في ترسيخ المغرب كفاعل استراتيجي في النظام العالمي الجديد.
قرارات حاسمة في مؤتمر أنفا
تطرق المؤتمر إلى قضايا استراتيجية عسكرية رئيسية، أبرزها التخطيط لعملية “هاسكي”، الإنزال في صقلية، التي كانت نقطة تحول في الحرب. كما أسفر عن توحيد جهود الحلفاء واستراتيجية مواجهة قوى المحور.
على الصعيد الوطني، مثل المؤتمر نقطة تحول تاريخية للمغرب. إذ لم يقتصر دوره على دعم الجهود العسكرية للحلفاء، بل شكل منصة للتعبير عن طموحات المملكة في الاستقلال واستعادة سيادتها.
إرث مستمر وعلاقات دولية متينة
منذ تلك اللحظة التاريخية، رسخ المغرب مكانته كفاعل جيوسياسي محوري، وهو الدور الذي تعزز في عهد جلالة الملك محمد السادس، الذي واصل الحفاظ على إرث أجداده. بفضل رؤية القيادة العلوية، باتت المملكة نموذجا للتعايش والسلام، وشريكا دوليا في دعم الاستقرار الإقليمي والعالمي.
يذكرنا مؤتمر أنفا بأن التاريخ ليس مجرد أحداث، بل محطات ترسم مستقبل الأمم. وما حدث في الدار البيضاء قبل 82 عاما كان أكثر من مجرد لقاء سياسي؛ كان إعلانا عن دور المغرب المحوري في بناء عالم جديد قائم على التعاون والسلام.
فاطمة الزهراء الجلاد.

إعلان

قد يعجبك ايضا

Back to top button
Close
Close