سياسة

شادي البراق: من الرباط إلى نيروبي… كيف ترسم العلاقات المغربية-الكينية مسارا استراتيجيا جديدا لأمن وتنمية إفريقيا ؟

في ظل التحولات الجيوسياسية المعقدة التي تعيشها القارة الإفريقية، تبدو العلاقات المغربية-الكينية نموذجا فريدا لشراكة جنوب-جنوب ديناميكية ومتكاملة. هذه الشراكة ليست مجرد اتفاقيات سياسية أو اقتصادية، بل هي رؤية استراتيجية متكاملة تستهدف خلق محور تنموي وأمني عابر للقارة من الشرق إلى الغرب، يجمع بين الرباط ونيروبي لتشكيل قوة دافعة نحو الاستقرار والتنمية المستدامة.
محور الرباط – نيروبي: مسار تنموي وأمني لإفريقيا الكبرى
في هذا السياق، أكد المحلل السياسي البراق شادي عبد السلام، في تحليل له للعلاقات المغربية الكينية، الذي توصلت جريدة le 7 TV بنسخة منه؛ أن محور الرباط-نيروبي يمثل “مسارا تنمويا إفريقيا متميزا يمتد من شرق القارة إلى غربها مرورا بالصحراء الإفريقية الكبرى ومنطقة الساحل”. وأوضح أن هذه المناطق تعيش تحت وطأة تهديدات حقيقية تهدد أمنها البشري، منها تنامي الجريمة العابرة للقارات، والإرهاب، والتطرف العنيف، والجماعات الانفصالية، إضافة إلى آثار التغير المناخي.
وأشار البراق، إلى أن “الغياب الواضح للعديد من مفاعيل الاستقرار والسلام والتنمية يجعل من التعاون المغربي-الكيني ضرورة ملحة لتعزيز التكامل الاقتصادي والاجتماعي وتحقيق تنمية شاملة ومستدامة”، مشددا على أن هذا المحور يشكل “صمام أمان قاري” وفاعلا رئيسيا لتشجيع التنمية في القارة، منطلقا من رؤية إفريقية خالصة تتماشى مع أجندة 2063 للاتحاد الإفريقي.
المغرب وكينيا: قوتان إقليميتان في قلب التحديات الأمنية والاقتصادية
أوضح المحلل السياسي، أن المغرب وكينيا تمتلكان مواقع استراتيجية مهمة في القارة، إذ يمثل المغرب مركز ثقل في شمال وغرب إفريقيا والساحل الإفريقي، بينما تشكل كينيا قلب شرق إفريقيا والقرن الإفريقي، اللتين تتشابك فيهما مصالح جيوسياسية إقليمية وعالمية معقدة.
وفي ظل هذه التعقيدات، تسعى الرباط ونيروبي إلى تفكيك الشبكات المعقدة للتحالفات والمنافسات الإقليمية، وتعزيز شراكة استراتيجية مندمجة وفعالة تساهم في استقرار المنطقة، مع ضرورة التعامل بحذر مع هذه الديناميكيات الجيوسياسية.
عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي: انطلاقة جديدة لجهود تنموية إفريقية
في هذا الصدد، قال البراق، إن “عودة المملكة المغربية إلى الاتحاد الإفريقي وجهودها الدبلوماسية الجبارة تعكس جدية والتزاماً حقيقياً بخدمة القضايا الأفريقية من منطلق تنموي تضامني”. وذكر أن المغرب قدم “دفتر تحملات إقليمياً يتمثل في مبادرات تنموية كبرى مثل أنبوب الغاز الإفريقي-الأطلسي ومسلسل الرباط للدول الإفريقية الأطلسية”.
كما أشار المحلل السياسي، إلى المبادرة الملكية التي تهدف إلى تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، ما يجعل من الصحراء المغربية جسرًا لوجستيكياً وتنموياً عملاقاً يخدم مصالح الشعوب الإفريقية الحبيسة في الصحراء الكبرى وغرب إفريقيا.
توجه استراتيجي شامل: من السياسة إلى الاقتصاد والدبلوماسية الروحية
شدد شادي البراق، على أن خيار المغرب الإفريقي ليس مجرد توجه سياسي، بل مشروع حضاري متكامل مبني على رؤية ملكية متبصرة للسياسة الخارجية ترتكز على مبدأ “رابح-رابح”، ويهدف إلى تعزيز التكامل الاقتصادي والتعاون البناء بين دول القارة لتحقيق تنمية مستدامة وحماية الموارد الأفريقية.
وأكد أن زيارة رئيس الوزراء ووزير الخارجية الكيني إلى المغرب واللقاء مع وزير الخارجية المغربي يأتي في إطار دينامية دبلوماسية نشطة لترسيخ هذا التعاون.
 استراتيجية مغربية متكاملة لتطوير العلاقات مع كينيا
أوضح المحلل السياسي، أن العقل الاستراتيجي المغربي عمل وفق خطة متكاملة لتطوير العلاقات الثنائية مع كينيا، تستهدف تفكيك التوجهات العدائية السابقة التي تعود إلى عقود، واعتماد مقاربة تعاون جنوب-جنوب دافعة للتنمية الاقتصادية، حيث بدأ ذلك بفتح أوراش دبلوماسية مستدامة في نيروبي.
وأشار إلى أن نتائج الانتخابات الرئاسية الكينية عام 2022 وتولي ويليام روتو مقاليد الحكم مثلت بداية فصل جديد في العلاقات بين البلدين، حيث أكدت رسالة التهنئة الملكية على أسس التعاون البناء والتضامن والاحترام المتبادل.
ثلاثة مسارات متقاطعة في العلاقات المغربية الكينية
أولا؛ المسار السياسي:
أشار البراق في هذا الصدد إلى أن الزيارات الملكية والزيارات المتبادلة بين المسؤولين الكينيين والمغاربة عززت العلاقات السياسية، وخلق تواصلاً بين الهيئات السياسية، مع تأسيس لجنة برلمانية مشتركة منذ 2018 لتعزيز التعاون في المحافل القارية، بما فيها البرلمان الإفريقي.
ثانيا؛ المسار الاقتصادي:
حيث شهدت العلاقات تطوراً ملموساً بفتح خط جوي مباشر بين الدار البيضاء ونيروبي منذ 2016، وهو ما يسهل الربط بين الأسواق المغربية والكينية ويعزز السياحة خاصة سياحة السفاري في كينيا التي تبلغ قيمتها 263 مليار دولار سنوياً. كما استحوذت شركة هولماركوم المغربية على 51% من شركة مونارش الكينية في مجال التأمين، مما يبرز عمق التعاون الاقتصادي بين البلدين.
وأضاف البراق، أن السوق الكيني يعد وجهة واعدة للاستثمار في مجالات الصيد البحري، الفلاحة، الأمن الغذائي، البنية التحتية، السكن الاجتماعي، تكنولوجيا المعلومات، الصحة، السياحة، الطاقات المتجددة، والبنوك، خاصة بعد دخول اتفاقية منطقة التجارة الحرة الإفريقية حيز التنفيذ في يناير 2025.
ثالثا؛ المسار الروحي والديني:
أكد المحلل السياسي، أن المغرب يضع تجربته الفريدة في تأطير الحقل الديني رهن إشارة الدول الإفريقية، من خلال مؤسسة إمارة المؤمنين ومؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة التي لها فرع في كينيا، حيث يسعى المغرب لتعزيز الأمن الروحي ومكافحة التطرف عبر تكوين الأئمة الأفارقة واستمرارية التواصل مع المراكز الدينية والصوفية.
كينيا تعيد ترتيب أولوياتها الخارجية
بين المحلل السياسي، أن السياسة الخارجية الكينية أعادت صياغة موقفها من قضية الصحراء المغربية، حيث أسقط النزاع من الورقة الدورية رقم 1 للسياسة الخارجية الكينية التي اعتمدتها لجنة الدفاع والعلاقات الخارجية في البرلمان الكيني، مما يعكس تحولاً دبلوماسياً كبيراً في دعم سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
وأكد البراق أن فتح سفارة كينية في الرباط، وتوقيع الطرفان على اتفاقيات استراتيجية تؤسس لمحور سياسي ودبلوماسي واقتصادي قوي بين الرباط ونيروبي، يدعم جهود التنمية والاستقرار في القارة.
وأوضح المحلل السياسي، أن نجاح المغرب في كينيا يعود إلى الالتزام الصارم بتوجيهات جلالة الملك محمد السادس، وبجهود السلك الدبلوماسي المغربي بقيادة سفراء متميزين مثل الدكتور المختار غامبو والسيد عبد الرزاق لعسل، اللذين عملا على تنزيل الرؤية الملكية في سياق محترف ومسؤول.
وأشار إلى أن الدبلوماسية المغربية في كينيا تمثل نموذجاً ناجحاً يجمع بين السياسة الخارجية الملكية والعمل الدبلوماسي القنصلي والديبلوماسية الموازية بمختلف فروعها.
في الختام، تؤكد العلاقات المغربية-الكينية اليوم على نجاح نموذج التعاون الجنوب-جنوب في أفريقيا، عبر رؤية استراتيجية شاملة تمتد من السياسة إلى الاقتصاد والدين، لتشكيل محور استراتيجي قادر على دفع قاطرة التنمية والاستقرار في القارة. إن هذا التعاون ينسجم تماماً مع الأجندة الأفريقية 2063، ويضع الرباط ونيروبي في موقع قوة محورية ضمن المشهد الأفريقي المعاصر.
فاطمة الزهراء الجلاد.

إعلان

قد يعجبك ايضا

Back to top button
Close
Close