سياسة
بنعبد الله يستعرض التجربة المغربية في الحماية الدستورية للحقوق والحريات خلال الأزمات الاستثنائية بالقاهرة

في إطار الاجتماع الثامن رفيع المستوى لرؤساء المحاكم الدستورية والمجالس الدستورية الإفريقية، الذي انطلقت أشغاله في القاهرة، قدم رئيس المحكمة الدستورية المغربية، محمد أمين بنعبد الله، رؤية تحليلية للتجربة المغربية في حماية الحقوق والحريات الدستورية خلال الأزمات الاستثنائية، مع التركيز على تداعيات جائحة كوفيد-19 كأنموذج عملي.
استجابة عاجلة في ظل الجائحة
أوضح بنعبد الله أن مواجهة المغرب لجائحة كوفيد-19 تطلبت استجابة سريعة، فرضت على السلطات اتخاذ إجراءات فورية للحد من انتشار الفيروس، مع الحفاظ على الحقوق والحريات الدستورية. ومن بين التدابير التي اتخذت في هذا السياق: منع التنقل الليلي وبين المدن، وإغلاق بعض الفضاءات العامة، وهي إجراءات وقائية اعتمدتها السلطات الإدارية حتى قبل صدور أي تشريع رسمي ينظمها.
وأشار إلى أن هذه الإجراءات أثارت نقاشا قانونيا واسعا بين مقتضيات القانون الإداري، الذي يمنح السلطات التنفيذية صلاحيات واسعة لضمان المصلحة العامة، وبين مبادئ القانون الدستوري، الذي يشترط تقييد الحقوق والحريات عبر القوانين فقط، تحت رقابة المحكمة الدستورية.
الإطار القانوني والدستوري لتقييد الحقوق
أكد رئيس المحكمة الدستورية أن المبادئ الدستورية تضع إطارا واضحا لتقييد الحقوق والحريات في الظروف الاستثنائية، حيث ينص الفصل 89 من الدستور المغربي على أن الحكومة مسؤولة عن تنفيذ القوانين، في حين يفرض الفصل 21 على السلطات العمومية ضمان سلامة المواطنين والتراب الوطني مع احترام الحريات الأساسية.
وأشار بنعبد الله إلى أن أي منظومة دستورية، مهما بلغت قوتها في الظروف العادية، تخضع لاختبار حقيقي في الأزمات، إذ تواجه السلطات تحديا في الموازنة بين الاستجابة السريعة للأزمات واحترام الحقوق المكفولة دستوريا.
وشدد على ضرورة أن يوفر الدستور الإطار القانوني الكافي لمواجهة الظروف الاستثنائية، وأن يقوم المشرع بتنظيمه، بينما يظل القضاء مسؤولا عن ضمان التطبيق السليم لهذه القواعد، باعتباره الحامي الأساسي للحقوق والحريات.
مكانة الحقوق والحريات في الدستور المغربي
سلط بنعبد الله الضوء على دستور 2011، الذي منح مكانة بارزة للحقوق والحريات، حيث خصص لها الباب الثاني (الفصول 19 إلى 40)، كما نصّ في الفصل 59 على ضرورة ضمان هذه الحقوق حتى عند إعلان حالة الاستثناء، ومنع أي مراجعة دستورية قد تمس بالمكتسبات الحقوقية (الفصل 175).
مشاركة مغربية فعالة في الاجتماع الدستوري الإفريقي
شارك في الاجتماع وفد مغربي ضم كلا من محمد الأنصاري، عضو المحكمة الدستورية، ومحمد بوعزيز، رئيس الديوان، إلى جانب سفير المغرب بالقاهرة، محمد آيت وعلي.
وتناول الاجتماع عدة محاور رئيسية، منها:
– طبيعة المخاطر التي تواجه الدول الإفريقية في الأزمات الاستثنائية.
– الإجراءات التشريعية لمواجهة الأزمات.
– الرقابة الدستورية على التشريعات الخاصة بالظروف الاستثنائية.
كما شهد الاجتماع مناقشة مستجدات التحضير لعدد من الفعاليات القضائية، من بينها “الاجتماع الثاني لقاضيات القضاة الإفريقيات”، والندوة الدولية الرابعة المقرر عقدها في أديس أبابا، فضلا عن الاستعدادات للجمعية العامة الثامنة المقرر عقدها في كينشاسا العام المقبل.
يعكس الطرح الذي قدمه محمد أمين بنعبد الله خلال الاجتماع، مدى التزام المغرب بالموازنة بين حماية الأمن العام وضمان الحقوق الدستورية حتى في أصعب الظروف. وهو ما يثبت أن دولة القانون والمؤسسات تواجه الأزمات بمرونة، ولكن في إطار احترام المبادئ الدستورية التي تظل صمام الأمان لأي نظام ديمقراطي.
فاطمة الزهراء الجلاد.